اللهم إشغلْ الظَالميــنَ بِالظَالمينَ وأخــرجنا مِن بَينَهُم سَالِمِينَ :

,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,(الدكتور مهند جاسم الحسيني)
فاليعلمْ الكلُّ أنَّ للأدعيةِ أبعادٌ روحيةٌ ونفسيةٌ وواقعيةٌ, دينيةٌ شرعيةٌ إخلاقيةٌ, هذا من جانبٍ واحدٍ, وهو الجانبُ المضيء والمشرقُ منها, وأنَّ في الأدعيةِ أبعاداً أخرى ظلامية شيطانية أبليسية, لم يَعْتَدْ أهلُ البساطةِ والسذاجةِ على رؤيتِهَا, ألا وهي تبريرُ الظالمِ ظُلمهُ وفعلهُ وإنحرافهُ, بل وكلُّ ما يَصبُ في تشضيةِ الأمةِ الواحدةِ الى شضايا متعددةٍ ومتناهيةٍ في الصغرِ وفي كلِّ الإتجاهاتِ ...
والمُشكلةُ هي إصرارُ الأمةِ على بقائهَا على الجهلِ والإنحرافِ الفكري والروحي, بل والعملُ على التبعيةِ والإنقيادِ خلفَ مَنْ يسعى جاهداً وحثيثاً على إبقاءِ الأمةِ على تخلفِهَا وجهلِهَا إنحرافِهَا حَدِ التُخمةِ ...
وبعدَ مَعرفَتِنَا وبشكلٍ قطعيٍّ هذهِ الحقيقةَ المرةُ, وبعدَ معرِفَتِنَا أنَّ المُشكلةَ من النوعِ المركبِ, حيثُ يشتركُ فيها الطرفانِ, الطرفُ المستفيدُ وهو الظالمُ, أسواءٌ كانَ هذا الظالمُ سياسياً منحرفاً لِصاً سارقاً, أو رجلَ دينٍ فقيهٍ مرجعٍ زعيمٍ, والطرفُ الآخرُ هو الطرفُ الغبي الجاهلُ البهيمةُ, الذي لا يعرفُ إلا معنى ومعاني العبوديةَ والإنقيادَ الأعمى ...
ولنصطلحَ على الطرفِ الأولِ بالظالمِ, واللفظةُ حقيقيةٌ لا مجازَ فيها, بل وبعيدةً عن الإصطلاحِ لشدةِ إنطباقهَا وملائَمَتِهَا على الصنفِ الأولِ من الناسِ, وهم الطرفُ المُستفيدُ ما بينَ رجلِ دينٍ وسياسةٍ ...
ولنصطلحُ على الطرفِ الثاني, أي طرفِ الأغبياءِ والجُهالِ من الناسِ بالأتباعِ, لأنَهُم لا همَ لهم إلا الأنقيادُ الأعمى والسعي الى أن يكونوا جزءاً مِن المؤامرةِ وحطباً للهيبِهَا ...
ولكن بعدَ أن نتمكن من التشخيصِ الدقيقِ لهذا الواقعِ الأليمِ والمزري, بل وبعدَ أن نتمكنَ من التشخيصِ الدقيقِ لهذهِ الحالةِ المرضيةِ المزمنةِ من قبلِ العامةِ من الناسِ, يَتحتمُ علينَا أمرَ المواجهةِ والسعي الجادِ للتغييرِ الجذري الحقيقي الشاملِ, ولا يتحققُ هذا التغييرُ مالم نكن مؤمنينَ حقيقينَ بقضيةِ إمكانيةِ التغييرِ ...
وقبلَ أن أخوضَ في الطريقةِ التحليليةِ لهذهِ الحالةِ المرضيةِ المستشريةِ والمُتجذرةِ في البنيةِ الإجتماعيةِ, يتحتمُ عليَّ أن أذكرَ لكم ما قالهُ أميرُ المؤمنينَ عليُ بنُ أبي طالبٍ عليه الصلاة والسلام, عندما واجهَ نفسَ التيارِ المُنحرفِ آنَّ ذاكَ, :
( أما والذي فلقَ الحبةَ، وبرأ النسمةَ لولا حضورَ الحاضرِ وقيامَ الحجةِ بوجودِ الناصرِ, وما أخذَ اللهُ على العلماءِ أن لا يقارّوا على كظةِ ظالمِ ولا سغبِ مظلومٍ، لألقيتُ حبلَهَا على غاربِهَا، ولسقيتُ آخرَهَا بكأسِ أولِهَا, ولألفيتُم دنياكُم هذهِ أزهدَ عندي مِن عفطةِ عنزٍ ... ) ...
فحقاً أنَّ هذا النصَ يجمعُ لنا كلَّ معاني النصرةِ والإنتصارِ ووجوبِهَا عليَّنَا, لأمرينِ مهمينِ جداً, هما : وجوبُ الوقوفِ بوجهِ الظالمِ ورفعُ الحيفِ عن المَظلومِ, بشرطِ أن يتحققَ العددُ المَطلوبُ لوجوبِ النصرةِ والإنتصارِ, بل لا سبيلَ لِتركِ فريضةِ النصرةِ والإنتصارِ والإستمرارِ عليهَا بعدَ تيسرِ الحالِ من خلالِ عالمِ التواصلِ الإجتماعي, بخلافِ ما عاناهُ أميرُ المؤمنينَ وسائرُ الصحابةِ الأجلاءِ من رياحِ الجهلِ والنفاقِ التي عصفتْ بالأمةِ المرحومةِ ...
ولكي نستطيعَ أن نفكرَ بالتحركِ صوبَ النصرةِ, لابدَ من أن نقسمَ هذهِ الحالةَ الأجتماعيةِ الى قسمينِ, حتى نَتَمَكن أن نستحصلَ القناعةَ لإنفسِنَا أولاً, ولإقناعِ الآخرينَ بِهَا ثانياً, وهي :
إنَّ الحالةَ العامةَ للأمةِ هي مزيجٌ من حالةٍ مرضيةٍ خطيرةٍ, وهذهِ الحالةُ لا تتعدَ أحدَ أمرينِ إثنينِ,
الأولُ : فقدانُ الإرادةِ على التغييرِ, واليأسُ من حصولهِ بَعدَ عمليةِ الحراكِ, وهذا الأمرُ هو أخطرُ أنواعِ الأمراضِ التي تُصيبُ أمةَ الأخيارِ الأنصارِ من الناسِ, بل وتصيبُ أمةَ مَن يُعولُ على حراكِهِم الشعبي الجماهيري, وهؤلاءِ لا يقلونَ عدداً وعُدةً عن أولئكَ المُنضوينَ تحتَ الأمرِ الثاني ...
الثاني : التبعيةُ العمياءُ نتيجةً للجهلِ المُطبقِ على عُقولِ وأنفسِ الناسِ, وهؤلاءِ من الصعبِ التعاملِ معهم وإقناعِهِم بوجوبِ التغييرِ ما داموا على تكتلِهِم وإلتفافِهِم حولَ الظالمِ ...
ومن الأمرينِ أعلاه, صارَ واضحاً أنَّ السوادَ الأعظمِ من الناسِ لا يتركزُ على أولئكَ الأغبياءِ من الناسِ والجهالِ من الشعوبِ, بل نفسُ أولئكَ اليائسونَ المتخاذلونَ لمواجهةِ كضةِ الظالمِ والصبرِ والسكوتِ على سغبِ -جوعِ- المظلومِ, والذي أسميناهم بمرضى إنحجابِ النصرِ وعدمِ تهيء مسبباتهِ, نعم نفسُ أولئكَ هم لا يقلونَ عدداً ولا عُدةً عن أولئكَ الأغبياءِ والحَمقى من الناسِ, الذينَ رضوا أن يكونوا أعواناً وزبانيةً وشَرطةً للظالمِ ...
لذا فسببُ وشرطُ إقناعِ أولئكَ المتخاذلينَ اليائسينَ من الناسِ متوفرٌ نوعاً ما, ولو على نحو الموجبةِ الجُزئيةِ, وهو معرفَتَهُم للحقِ ووجوبِ نصرتهِ, ولكن الحالةُ المرضيةُ التي أمنيتْ بها هذهِ الشريحةُ الواسعةُ من المجتمعِ, هي التي أقعدتهُم عن مُجابهةِ كضةِ الظالمِ وسغبِ المظلومِ ...
وبالحقيقةِ أنَّ هذهِ الشريحةَ الواسعةَ من المُجتمعِ لم تُولدْ بهذهِ الكيفيةِ, ولم تؤمنْ بهذهِ الحالةِ المرضيةِ, بل نتيجةً للظلمِ المستمرِ والإضطهادِ المُستديمِ أدى بهم للوصولِ الى هذهِ الحالةِ المرضيةِ المتفاقمةِ, بل أنَّ الكثيرَ من أولئكَ الأعوانِ والشَرطةِ والأغبياءِ والمَطايا, هم أيضاً كانوا ضحيةَ أولئكَ الظَلَمَةِ, لذا لم يستطيعوا أن يصطفوا على خطِ المواجهةِ ولا مع خطِ المتخاذلينَ حتى, بل إختاروا مرغمينَ أو مقتنعينَ الكونُ مع الظالمِ وحاشيتهِ ...
ومِن هنا صارَ من اللازمِ علينا عقلاً وشرعاً وأخلاقاً وتأريخاً, أن لا نقصرَ ولو طرفةَ عينٍ لدعوةِ أولئكَ المتخاذلينَ عن نصرةِ الحقِ ووجوبِ نصرتهِ, بل وإقناعِهِم بالطرقِ والأساليبِ كافة أنَّ أسبابَ النصرِ والإنتصارِ في مواجهةِ الظالمِ متوفرةٌ وبدرجةٍ عاليةٍ جداً, بل والسعي الحثيثِ على أن نضمَ أولئكَ الى صفوفِنَا نحنُ المواجهون والمقاومون والمقاتلون لإعلاءِ كلمةِ الحقِ على ربوعِ الأرضِ كافةٍ, لما نمتلكُ من مقوماتٍ علميةٍ ونفسيةٍ وقياديةٍ, تؤهلنا مجتمعةً الى التقدمِ خطوةٍ وخَطواتٍ بإتجاهِ التخلصِ من كضةِ الظالمِ والخلاصِ من سغبِ المظلومِ, وليسَ على أرضنا نحنُ فقط, بل على كلِّ أخضرٍ ويابسٍ ورطبٍ وجافٍ ومضيءٍ ومظلمٍ وفيءٍ وحرورٍ من هذهِ الأرضِ كافةٍ بإذنِ الله تعالى ...
والآن بعد أن عرفنَا هذهِ الحقائقَ الواضحةَ فلنرجعْ الى صلبِ المقالِ الذي إبتعدنَا عنهُ كثيراً, وهذا الإبتعادُ إبتعاداً إضطرارياً خارجاً عن الإختيارِ, لسعةِ الموضوعِ وعمقِ القضيةِ ...
الآن سيكون الجوابُ واضحاً جداً ما لو سألنا السؤالَ التالي :
هل سيتركُ الظالمونَ المتسلطون على رقابِ الناسِ أولئكَ الطبقةَ الوسطيةَ التي تعيشُ مرحلةَ التميعَ الديني, وعيشهَا ظروفاً إزدواجيةً, حيثُ يعيشونَ حياةَ الضياعِ لا الى هؤلاءِ ولا الى هؤلاءِ, فهم ليسوا من طبقةِ المتمتعينَ وقتياً بنعمةِ ونعيمِ الظالمِ, إن وجدَ أصلاً نعيماً, بل الحقيقةُ هي العبوديةُ والرقُ وحياةُ السبايا, وليسوا أيضاً من طبقةِ المقاومينَ المتمتعينَ صدقاً وحقاً من خلالِ عيشِ لذةِ المقاومةِ والبسالةِ وإفراغِ الذمةِ من التكليفِ الإلزامي ...
بالتأكيدِ سيكون الجوابُ كلا وألفُ كلا, بل سيسعونَ جاهدينَ الى أن يطاردوا ويحاربوا أولئكَ المتميعينَ ويملأوا منهم البلدانَ أوالسجونَ والمقابرَ, لأنَ الظالمينَ لا يتركونَ للإنسانِ خياراً أخرَ غيرَ العبوديةِ والرقِ والذلِ والهوانِ والإتباعِ الأعمى, بحيثُ يكون الكلّ سائرينَ في ركبِ مشروعهِ وستراتيجيتهِ التوسعيةِ ...
بالتالي ستكون تلكَ الطبقةُ هي الطبقةُ المستَحِقَةُ بسببِ نزعتِهَا للتحررِ ولو على نحو التفكيرِ والتخيلِ النفسي الشخصي, حتى لو لم يكن للواقعِ نصيباً فيهِ ...
ولكن سيبقى الظالمُ يخشى هذهِ الطبقةُ كثيراً الى حدِ أن تُنغصَ عليهِ مَطعمَهُ ومَشربَهُ, لا لشيءٍ سوى أنَّ هذهِ الطبقةَ يمكنُ أن تلتحقَ بركبِ المقاومينَ الأصلاءِ, ويعني إلتحاقَهُم هذا أنهم سيعادلونَ الكفةَ التي يتحكمونَ بها ويتكؤن عليها, وهنا سيفكرُ الظالمُ أن يجعلَ منهم مشتتينَ غيرَ متوحدينَ على كلمةٍ واحدةٍ أبداً, عندما يعجزُ أن يجعلَ منهم عبيداً أو جلاوزةً ...
لذا فاليعلمَ الكلُّ دونَ إستثناءٍ يُذكرُ, أنَّ أولَ صريعٌ في معركةِ المجتمعاتِ, وأولَ مَن يطالسُ خدهُ الترابَ, وأولَ مستهدفٍ هي الوحدةُ, حيثُ يعملُ الظالمُ وجلاوزتهُ وزبانيتهُ الى إستهدافِ نقاطِ الوحدةِ والتأكيدِ على إسقاطِ لوائِهَا, من خلالِ إذكاءِ أوارِ الفتنةِ أولاً, والعملِ على تأصيلِهَا ثانياً ...
وأفضلُ أنواعِ عملياتِ تأصيلِ الخلافِ والإختلافِ, هو العملُ على شرعنةِ الجرائمِ وإعطائِهَا الطابعَ الشرعي, والأفضلُ من ذلكَ هو جعلُ المقابلِ المظلومِ صغرى لكبرى الظالمِ ...
حيثُ يعملُ الظالمُ على إنزالِ المظلومِ مقامَ الظالمِ, بعدَ أن يعجزَ الظالمُ أن يجعلَ من المظلومِ -المتخاذل- تابعاً لهُ وسائراً في ركابِ مشروعهِ الظلامي, لذا سيُؤَمِنُ قضيةَ ظلمهِ التي لا تُبررُ أمامَ الكثرةَ الكثيرةَ من الناسِ المظلومينَ المتخاذلينَ, وبالمقابلِ سيجعلُ من صراعاتهِ مع بعضِ المظلومينَ صراعاتِ وتناطحاتِ بينَ ظلمةٍ, وبالتالي سيأمنُ شرَ إلتحاقِ أولئكَ المظلومينَ من التوجهاتِ والطوائفِ والمشاربِ الأخرى ...
وبالتالي سيجعلُ من أيِّ عمليةِ إجهازٍ على أي طائفةٍ من الطوائفٍ أو توجهةٍ من التوجهاتِ, هو تصارعُ ظالمينَ, بل ومصداقٌ للدعاءِ : (أللهم اشغل الظالمين بالظالمين وأخرجنا من بينهم سالمين), وبالتالي سيكون الظالمُ مُؤَمِنَاً على نفسهِ بطريقةٍ شيطانيةٍ أبليسيةٍ ماكرةٍ, حيثُ أقنعَ مَن لم يَقنعهُم بالإلتحاقِ بهِ والتبعيةِ لهُ, سيأمنُ شَرَهُم من خلالِ إنزالِ الطرفِ الآخرِ من المظلومينَ مقامَ الظالمِ ...
وبهذهِ الطريقةِ الفتاكةِ سيستأصلُ الظالمُ كلَّ مناوئيهِ بعدَ أنَّ يستهدفَ مكامنِ القوةِ والوحدةِ, ويُسيطرُ على مكامنِ الخلافِ جاعلاً منها شغلهُ الشاغلُ, وبعدها سيؤصلُ ويجذرُ ويشرعنُ الخلافِ, من خلالِ جَعْلِ المناوئينَ المظلومينَ من المشاربِ والمناحلِ الأخرى, بل والواحدةَ أيضاً صغرى لذلكَ الدعاءِ, بل وصغرى لقولهِ تعالى : {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ }الأنعام 129 .
خارجُ النصِ :
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,, تعمتُ أن أتركَ المقالَ والرؤيا بلا مصاديقٍ أبداً, مستعيناً بفطانةِ القارئ على وضعِ المصاديقِ ونشرِهَا من خلالِ تعليقاتهِ ومشاركاتهِ الموضوعَ على صفحتهِ وصفحاتِ غيرهِ ...
ولا أنسَ أن أدعوكم الى أن تدعُ أصحابكم من المهتمينَ للثقافةِ العامةِ السياسيةِ والعلميةِ وغيرها الى الإعجابِ بهذا الرابطِ المرفقِ أدناه, والدعوة لهُ بالإعجابِ والتفاعلِ :
https://www.facebook.com/profile.php…
مواضيع ومقالات مشابهة