قواعد علم الاجتماع ومحاكاة الروايات في فكر السيد الصرخي الحسني
ان العادة التي جرت عليها قراءة الروايات والأخبار التاريخية ونمطية الأخذ بمفاداتها كانت ولازالت تقوم على مجموعة من المقاييس العلمية التقليدية منها وثاقة الرواة ومقدار اشتهار الخبر بالاضافة الى عنصر آخر اُعتمد معها تقليديا وهو إضفاء صبغة التقدس أوالتعظيم لبعض الرواة او المحدثين فمثلا اشتهرت مجموعة من كتب الحديث في المدارس الإسلامية بعدم جواز الطعن بها فكانت في مدارس جمهور المسلمين كتب الصحاح وكانت في مدارس الأمامية الكتب الاربعة. وفي العادة تناقش الروايات الفقهية وتختلف الآراء في فهم مؤداها دون أن يكون هناك نوع من التحسس أو الاستهجان حتى لو خالف المشهور او الإجماع وذلك لوجود كم هائل في التعارض والتهافت في مداليلها داخل المذهب الواحد وذلك لأنها في الأعم الأغلب لا تخدش المعتقدات , إلا أن هذا لا ينسحب على الأخبار العقدية أو التاريخية فالباحث يجد انه محاط بتقليد معين يقوم على عدم القدرة على مخالفة ما اُشتهر عقائديا أو اُجمع عليه حتى وان كان هذا الراي قد نشأ وفق ظروف معينة أو اُنشأ تدريجا وتراكميا عبر تاريخ طويل فُيستدل مثلا بآراء عدد من العلماء في قول ما على اختلاف أزمنتهم ومن هنا يُصبح نقض الخبر أو تأويله هو عبارة عن مجابهة لعقيدة طائفة ,وهذا هو السبب الرئيسي في جمود الطوائف على تقليد معين وعدم انتقال مفكريها بين طائفة وأخرى .
هذا اللون من التفكير يفتقد إلى عنصر أساسي تختزله المناهج الإسلامية بين طيات أحاديثها ونستطيع أن نطلق عليه بالمفهوم المعاصر "علم الاجتماع ",ففي بدايات القرن التاسع عشر ظهر هذا النوع من العلم وهو يعني بدراسة أحوال المجتمعات جماعات وأفراد وفهم التفاعلات فيما بينها وفهم سلوك المجموعات ليمكن الباحثين والأكاديميين من فهم التقسيمات الطبقية والتغيير الاجتماعي و العلاقات الاثنية أو أسباب نشوء الجماعات والتكتلات ومدى تأثيرها على السلوك النفساني للفرد والمجتمع بصورة عامة. ويثبت علم الاجتماع أن هنالك نمطين من التفكير احدهما مقيد لا يخرج عن دائرة العقل الجمعي والمحيط البيئي يتكون معه ما يعرف بالكلاسيكية التقليدية وجمود الرأي ,هذا النمط من التفكير صاحب تاريخ الأمة الإسلامية واثر كثيرا في نشوء المذاهب والمدارس الفكرية لا بل انه أدى إلى سلبيات أخرى لعل من أهمها الرهبة في انفتاح المدارس بعضها على البعض الآخر .والنمط الآخر ما يتعدى العقل الجمعي إلى كسر الجمود الفكري . وكتطبيق عملي لقواعد علم الاجتماع في محاكاة الروايات والأخبار التاريخية في تاريخ الإسلام نجد أن هنالك طفرة نوعية ومنهجية علمية وضعها المحقق الكبير السيد الصرخي الحسني في دراسة أحوال الرواة أو المحدثين من ناحية اجتماعية ومدى تأثير السلوك البيئي على الحالة النفسية في صياغة الخبر وكمية الضغوط التي يواجهها الراوي . هذا العنصر يعتمد قاعدة اساسية اشار اليها السيد الصرخي الحسني في محاضرته الرابعة والثلاثين قائلا "علينا أن نتعلم كيف نحاكي الرواية، كيف نأتي بالرواية ونطبق الرواية على الواقع ومن الرواية نعرف حال الرواة، حال المجلس، حال الحضور، نعرف من الرواية التوجه العام، نعرف من الرواية سيرة المتشرعة، نعرف من الرواية موقف الخلفاء الراشدين، موقف الخلفاء المتصدين قهرا وبالقوة ما بعد الخلافة الراشدة، نعرف مواقف العلماء في تلك الفترة، نعرف بعض الظروف وبعض الحيثيات التي حصلت وحدثت وذكرت فيها الرواية أو نقلت فيها الرواية"وأضاف سماحته "لا نتعامل مع الرواية بالجمود فقط، مع الكلمات والمعاني التي تطرح في متن الرواية، ونتعامل معها فقط من ناحية المعنى، علينا أن نعرف ما يلازم هذا المعنى كيف ذكر هذا المعنى ومتى ذكر هذا المعنى ومن الذي كان حاضرا في وقت صدور هذه الرواية وذكر هذا المعنى" وكتطبيق عملي لما جرت عليه احوال الامة عبر تاريخها الطويل ذكر سماحته أثر البيئة السياسية على المواقف قائلا"هل يتوافق مع السلطان أو لا يتوافق؟ هل يتوافق مع الرأي السائد أو لا يتوافق مع الرأي السائد؟ هل يتوافق مع رأي وزارة أوقاف السلطان، الوقف الشيعي أو السني عند السلطان، مع السياسي المتصدي مع المافيا التي تتوغل وتتسلط وتحرك الوضع العام في الدولة وفي الحكومة وفي المملكة وفي الولاية؟ هل يوجد مليشيات هل يوجد جهة تكفيرية شيعية أو جهة تكفيرية سنية؟ جهة تكفيرية شيعية تنتسب الى الشيعة تدعي التشيع أو جهة تكفيرية سنية تدعي التسنن تنسب نفسها الى التسنن؟ هل يوجد في ذلك الوقت عندما ذكرت هذه الرواية "
وعلى هذا يؤكد سماحة السيد الصرخي الحسني ان البيئة المحيطة بالراوي أو بيئة عصر النص او عصر المحدثين او ما بعدهم ونتيجة الجمود قد ينشا معا ما يعرف بدكتاتورية التفكير التي توقع في التناقض فمثلا يقول سماحته "يجعلون من ينكر الحديث على مسلم أو على البخاري من أهل الضلالة ومن المرتدين "في الوقت الذي انتقد فيه ابن كثير والبخاري ما ورد من إسرائيليات في صحيح مسلم " وسماحة السيد الصرخي يرى ان هذا المنط من الجمود الفكري والتعصب المذهبي هو الذي يؤدي الى التكفير المذهبي ويتطور الى إباحة الدماء حيث يقول دام ظله "مسالة خطيرة وتهمة خطيرة ممكن ان تُستغل فُتباح بها الدماء وتسفك على أساسها الدماء، أي مجرد ما تناقش تكون قد خالفت الإجماع وتكون من المبتدعين وتتبع غير سبيل المؤمنين .... تبقى إما مع المغضوب عليهم أو مع الضالين"
إذن فمن خلال هذا العنصر الذي اشار اليه واعتمده سماحة السيد الصرخي الحسني نستطيع محاكاة أحوال الرواة أو المحدثين وكسر الجمود والابتعاد عن تهم الضلالة وايضا وبناءا على هذا العنصر في فهم الأخبار او ما نعني به محاكاة الروايات وفق قواعد علم الاجتماع نستطيع ان نؤسس لمدرسة ترقى فوق الميول المذهبية والتحجر الطائفي وتصل الى مستوى كسر الأطواق بين المذاهب التي عملت كشيطان زُرع في جسد الأمة الإسلامية كما قال سماحة السيد الصرخي الحسني.
المقطع الصوتي الكامل للمحاضرة 34 لسماحة سيد المحققين الصرخي الحسني 3- 4 - 2015
http://audan.opendrive.com/files/NV82MzcwMjk0OF9kdThUcA/34-%D8%B9%D9%82%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D8%A9.mp3
مواضيع ومقالات مشابهة