غِيَابُ الدَولَةِ العِرَاقِيَةِ وإسْتِحْكَامُ سَطْوَةِ المِلِيشيَاتِ :
الدكتور مهند جاسم الحسيني #الحلقةُ_الأولى :
هنالكَ ضوابطٌ في كلِّ شيءٍ تُحْتَسَبُ على أساسِهَا الأشياءُ, وتقيمُ على مَضمونِهَا الأمورُ, وتَقَسَمُ بِلِحاظِهَا الأفرادُ ...
وهذا الضابطُ وهذا المائزُ كثيراً ما يُلتفتُ لهُ مِن قبلِ أربابِ اللغةِ والحرفةِ أولاً, ويحاولانِ تحديدهُ وضبطهُ الى درجةِ أن يكون جامعاً لكلِّ الأفرادِ ومانعاً لكلِّ الأغرابِ ...
ولذا نُلاحظُ أنَّ الإرباكَ الذي يصيبُ أغلبَ العلومِ, فأصلهُ عدمُ التدقيقِ الحقيقي بهذهِ المفردةِ التي تَرجعُ إليهَا كلُّ مفرداتِ العلمِ بلا إستثناءٍ, فمنهَا تبدءُ المشاكلُ وإليهَا تنتهي !!!
هذا بلحاظِ الضابطِ والمائزِ, أما بلحاظِ اللفظِ المُشتركِ واللفظِ المُجملِ فحدثْ بلا حرجٍ, حيثُ إعتمدتْ الكثيرُ مِن التعاملاتِ على هذا المَضمونِ, وترتبتْ الكثيرُ مِن الآثارِ على أساسِ أن يُقدحَ في ذهنِ المُقابلِ شيءٌ بينمَا يُريدُ الماكرُ والخادعُ المُتكلمُ شيئاً آخراً !!!
ولتمريرِالكثيرِ مِن المؤامراتِ على العامةِ مِن الناسِ, ولإحكامِ السيطرةِ على العقولِ والأنفسِ, وبالتالي السيطرةُ التامةُ على التيارِ الجارفِ الأعظمِ, مع إشاعةِ مفهومِ الأغلبيةِ التي لهَا الحقُ في القيادةِ والتَسلطِ, وتنميةِ الشعورِ بمفاهيمٍ لا يَعرفُ العامةُ إلا إسمَهَا وفي الكثيرِ مِن الأحيانِ يجهلونَ رسمهَا, كمفهومِ الديمقراطيةِ وحريةِ الإختيارِ وإدلاءِ الأصواتِ !!!
بل, وزجُ الناسِ في بحرٍ مُتلاطمٍ مِن المُصطلحاتِ والألفاظِ التي لا حدَ لهَا ولا رسمَ في مُخيلةِ الأكثريةِ الساحقةِ مِن الناسِ, وبالتالي جَرُهُم الى مصائدٍ ومكائدٍ لا حَدٍّ لهَا ولا نهايةٍ, بحيثُ يُصَوِتُ الناسُ على شيءٍ, ويُقَتنَعُ الناسُ بشيءٍ, ويُساقُ الناسُ الى شيءٍ, بينمَا ما يجدونَهُ ويلمسونهُ ويصطدمونَ بهِ بعدَ ذلكَ شيءٌ آخرٌ, وفي حالِ إنتباهِ الناسِ وكشفهِم للمؤامرةِ بعدَ فواتِ الأوانِ, سَيُزَجُ بهِم بدوامةٍ جديدةٍ وأمواجٍ عتيدةٍ مِن التبريراتِ والمُحتملاتِ التي لم تَخطرْ على بالِ أحدٍ مِن هؤلاءِ العامةِ والمَساكينَ والأغبياءِ والسُذجِ مِن الناسِ !!!
#ولكن :
ما لم يُلتفتْ إليهِ لحدِ اللحظةِ والى الآن, بعدَ أن كُشِفَتْ هذهِ الطريقةُ الخبيثةُ مِن قبلِ نفسِ المُنتفعينَ بهَا سابقاً, بحيثُ وَعُوا الكثيرَ مِن الشعبِ الى هذهِ المكيدةِ التي طالمَا حكموهُم بهَا وسيطروا على مُقدراتِهِم بإستعمالِهَا, لكنَ متى كَشفوا سِرَهَا وأبانوا طريقَتِهَا, بعدَ أن وجدوا طريقةً أكثرَ تأثيراً وأكثرَ شيطنةً بحيثُ لا تَخطرُ على بالِ ولا تمرُ على ذِهْنِ إبليسَ ومردتهِ بأيةِ حالٍ, ماهي هذهِ الطريقةِ :
هي أن يجعلوا مِن أنفسِهِم المعنى والمُصداقَ الوحيدَ لتلكَ الألفاظِ التي يؤمنُ بوجوبِ تحققِهَا في الخارجِ, وإستحالةُ أن تبقَ بلا أفرادٍ في الواقعِ, ومِنهَا مفهومُ الدولةِ والحكومةِ !!!
حيثُ أنَّ مفهومَ الدولةِ هي ما تُراعي المصالحَ العليا للبلادِ, بغضِ النظرِ عن السلطةِ الحاكمةِ في البلادِ, بحيثُ أنَّ مسؤوليةِ الدولةِ تقتصرُ على الحفاظِ على المَصالحِ العليا للبلادِ التي ضمنتْ الدولةُ وجودَهَا, ولكن أحدُ مؤسساتِ الدولةِ هي الحكومةُ والسلطةُ الحاكمةُ هي التي تُباشرُ تحقيقَ هذهِ السلطةِ على الواقعِ الملموسِ ...
وبالتالي أنَّ لفظةِ الدولةِ هي مفهمٌ مشتركٌ مِن عدةِ مفاهيمِ, بل هي مفهومٌ تقعُ الحكومةُ جزءاً مِن أجزاءِ مصداقهِ في الخارجِ, أي بينَهُمَا عمومٌ وخصوصٌ مطلقاً, وهي المسؤولةُ عن فشلِ وإنجاحِ مشروعهَا المرسومِ مِن خلالِ تحقيقِ أهادفِهَا واقعاً وخارجاً, ...
وبالتالي سيكون للدولةِ مفهومٌ محددٌ في الخارجِ, وهي الحكومةُ والشعبُ والإقليمُ والسيادةُ, ولا يُتوقعُ أبداً أن تتسمَ السياسةُ العليا للبلادِ بعيدةً عن الشعبِ وأعرافهِ ودينهِ وأفكارهِ, فمِن الآيدلوجيةِ الجماهيريةِ تُشتقُ الكثيرُ مِن القوانينَ العليا للبلدِ, وليسَ للإقليمِ أرضاً وماءاً وهواءاً دخلٌ في تلكَ السياساتِ إلا ما تُرتبطُ بمصالحِ الأمةِ المُشتركةِ, وطبقاً للمصالحِ الأمةِ المُشتركةِ تتحقُ ذاتياً السيادةُ التامةُ والهيمنةُ الكاملةُ على البلادِ والعبادِ ...
وبالتالي نلاحظُ أنَّ الشرائعَ السماويةِ والأرضيةِ الوضعيةِ أكدتْ كثيراً على مفهومِ الدولةِ وعلى سنِ القوانينَ والمُثلِ العليا لهَا, بل جعلَتْ الكثيرُ مِن الحكماءِ والفلاسفةِ أن يفترضوا دولةً مثاليةً يُمكنُ تحققهَا وتحقيقيهَا في الخارجِ, أي هؤلاءِ المُشرعونَ إستطاعوا أن يُكونوا دولاً مثاليةً وبشكلٍ كاملٍ وتامٍ, مِن خلالِ سنِ القوانينَ التي تُسيرُ البلادَ والعبادَ على سدةِ الصوابِ دوماً ...
ولذا نلاحظُ أنَّ مفهومَ الدولةِ وبهذا اللحاظِ هو المفهومُ الذي يتمايزُ بهِ المُشرعُ الأرضي (الوضعي) والمُشرعُ السماوي (الأنبياءُ), بحيثُ أنَّ للمُشرعِ السماوي القدرةُ على إختيارِ شكلِ الدولةِ ومفهومِهَا العامِ, وإنَّ سَنَّ القوانينَ لهذهِ الدولِ لا يُمكن أن يُجرَ عليهَا التعديلُ والتبديلُ نِهائياً, لما للمُشرعُ مِن السيطرةُ التامةُ على الحاضرِ والمُستقبلِ على حدٍ سواءٍ, بل لا وجودَ لمفهومِ المُستقبلِ وجودٌ عن السماويينَ أبداً, بل أنَّ القوانينَ جائتْ معتبرةً وحدةِ الحاضرِ والمُستقبلِ وجعلهُمَا قطعً منظورةً واحدةً بعينِ المُشرعِ ...
بينمَا نلاحظُ تعددَ الأزمانِ للمُشرعِ الأرضي, بحيثُ أنَّ سوءَ فهمهِ للحاضرِ لا يَقلُ سوءاً عن فَهِمِ المُستقبلِ, فكمَا أنَّهُ لا يستطيعَ أن يرَ المُستقبلَ القريبَ حتى يُسِنَ لهُ قوانيناً, فكذلكَ لا يَستطيعُ الإستقراءِ التامِ للحاضرِ المَنظورِ, لجمعِ الكلِّ على قانونٍ تامٍ أبداً ...
وهنَا نلاحظُ بشكلٍ تامٍ أنَّ ليسَ إعتبارَ الدينِ الأساسَ في التشريعِ النُظمِ العليا للبلدِ جاءَ بعتبارِ أنَّ الكثيرَ يؤمنونَ بِهِ ولا يخرجُ الكثيرُ عن أوامرهِ, وبالتالي سيكون تَشريعُ القوانينَ التي تُماشي الدينَ فيهَا شيءٌ مِن الشفقةِ عليهَا أو تماشياً مع رغبةِ الناسِ للوصولِ الى قانونَ يُمكنُ أن يُطبقهُ الجميعُ في المستقبلِ ولا يَكونَ عرضةً للهتكِ والخرقِ بسببِ صعوبةِ التماشي معهُ !!!
بل لأنَ الدينَ فيهِ الكمالُ الحقيقي لقيادةِ المُجتمعِ عامةً, وأنَّ هؤلاءِ المُشرعةُ مُجبرونَ على الأخذِ بهِ مُجبرينَ لما لهُ القدرةُ في تَشخيصِ الواقعِ والمُستقبلِ بعيداً عن النزواتِ والشهواتِ, لأنَّهُ يَتعاملُ بالمُثلِ العليا البعيدةِ عن الشهوانياتِ الأرضيةِ التي لا يخلوا أيَّ قانونٍ أرضي مِنهَا, لأنَّ الواضعَ مهمَا كانَ حيادياً في السَنِّ فإنهُ سيستقرأ الرأيَ العامِ لسنِّ هذا القانونَ, وبالتالي فأنهُ سيكونُ شهوانياً غريزياً بإمتيازٍ !!!
#وما :
ميلُ الكثيرُ مِن هؤلاءِ المُشرعةِ وبالخصوصِ الغربيينَ مِنهُم الى العلمانيةِ والليبراليةِ, واللتانِ بُنيتا على أساسِ التخلي الكلي أو شبهِ الكلي عن التعاليمِ السماويةِ, أو تمييعِ التعاليمِ الى درجةِ الإبقاءِ على اللفظِ خالياً مِن الفحوى والرسمِ خالياً مِن المعنى, لأنَّهُم لا يَملكونَ الكثيرَ مِن قوانينَ لإدارةِ الدوليةِ بالتشريعِ السماوي, لأنَّ أغلبَ الدياناتِ السابقةِ على ديننَا الحنيفِ, كالمسيحيةِ واليهوديةِ أكدتْ على الأخلاقِ الفرديةِ والمُجتمعيةِ الرفيعةِ, ولم يَكن لهَا مَشروعُ تشكيلِ وإنشاءِ دولةٍ مثاليةٍ, وهذا ما نلاحظهُ جلياً مِن خلالِ الكثيرِ مِن الغربيينَ كيفَ إضطروا الى وضعِ الأسسِ العلميةِ والعمليةِ لإنشاءِ هذهِ الدولةِ التي أهملتْهَا دياناتُهُم, وأهملتْ التشريعِ لهَا مُقتصرةً على الدويلاتِ الصغيرةِ التي لا تَعْدُوا تشريعاتٍ تخصُ مُجتمعاتٍ وكتلٍ مِن الناسِ تعيشُ على بقعةٍ جغرافيةٍ معينةٍ أكثرُ ممَا هي عليهَا تشريعاتٌ لبناءِ دولةٍ في الحاضرِ والمُستقبلِ ...
بخلافِ التشريعُ الإسلامي فإنَّهُ إهتمَ بمفهومِ الدولةِ الى أقصى حدٍ مُتوقعٍ, بل أنَّنَا يُمكننَا القولُ : إنَّ كلَّ الأحكامِ التي جائتْ في القرانِ الكريمِ تَصبُ في المصلحةِ العليا لتشكيلِ الدولةِ المثاليةِ الموعودةِ تشكيلهَا على يديَّ ذريةِ الرسولِ محمدٍ صلى اللهُ عليهِ والهِ وصحبهِ وسلمَ, بل أنَّ مفهومَ الدولةِ الإسلاميةِ المثاليةِ هو المشروعُ المُسيطرُ على أذهانِ المُسلمينَ كافةً, بحيثُ أننَا يُمكن أن نلاحظَ أنَّ الدولةِ الإسلاميةِ ومشروعَهَا هو ما يحكم العشراتِ مِن البلدانِ في الوقتِ الحاضرِ, برغمِ مِن خلافِ المللِ والنحلِ والمشاربِ والمذاهبِ, وبالمقابلِ فإنَا نلاحظُ أنَّهُ لا وجودَ لبلدينِ غربيينِ أو شرقيينِ يَحكمهُمَا قانونٌ واحدٌ أبداً, بل أن القوانينَ تتعددِ بتعددِ البلدانِ غيرِ الإسلاميةِ الغربيةِ والشرقيةِ ...
وهذا إن دلَّ على شيءٍ يدلُ على قدرةِ السماءِ بوضعِ القوانينَ لتشكيلِ الدولةِ المثاليةِ, بل وأنَّ مِن ألطافِ السماءِ أن سَنَّتْ لنَا الكثيرَ مِن هذهِ القوانينَ التي لا تنالهَا الأيدي البشريةِ لتتلاعبْ بهَا, بل إنَّهَا ثابتةً بمرورِ المئاتِ مِن السنينَ وتقادمِ العصورِ, وهي لا زالتْ تحتفظُ بروحِ الشبابِ الأولِ التي نزلتْ بهَا على خاتمِ الأنبياءِ والمرسلينَ عليهِ وعلى آلهِ أفضلُ السلامِ والتسليمِ وسيما أصحابهُ المنتجبينَ ومَن تبعهُم بإحسانٍ الى يومِ الدينِ ...
#ولكن :
لا ننسَ أنَّ الدنيا دارُ بلاءٍ وشقاءٍ, بخلافِ الآخرةِ دارُ بقاءٍ ونُعَمَاءٍ, لذا فإنَّ مَفهومَ الدولةِ وسنِ قوانينِهَا تكفلتْ بهَا السماءُ لأنَّهَا مِن غيرِ المقدورِ لأي نبي مرسلٍ أو وصي مُنتجبٍ أن يرتقِ الى سَنِّ هذهِ القوانينَ مهمَا أرتفاعتْ منزلتهُ وعلا شأنهُ عندَ خالقهِ جلَّ وعلا, بل إنَّ تكليفَ الأنبياءِ والأولياءِ والصالحينَ بسنِّ هذهِ القوانينَ فضلاً عن المُكلفينَ البسطاءِ أمثالنَا, فإنَّهُ تكليفٌ بغيرِ المقدورِ أبداً, والخارجُ عن السعةِ التي حبا اللهُ تعالى الناسَ بهَا والقدرةِ التي مكنَتْ السماءُ عليهَا !!!
بينَمَا أقصى ما كلفتْ بهِ السماءُ الناسَ -طبقاً لمفهومِ التكليفِ- أنَّ يُشكلوا حكومةً مُطابقةً للدولةِ التي رسمتْهَا لهُم السماءُ ووضعتْ لهُم قوانينَهَا, وهذا تكليفٌ بمقدورٍ وأمرٌ بممكنٍ, ومع ذلكَ فإنَّ الناسَ فَشِلوا على طولِ الخطِ وطولِ الزمانِ وتقادمِ العصورِ على تَشكيلِ هذهِ الحكومةِ المثاليةِ, بل أنَّ الحكوماتِ التي شُكلتْ بعدَ وفاةِ النبي المُصطفى محمدٍ (صلى اللهُ عليهِ والهِ وصحبهِ وسلمَ) كلُّهَا حكوماتٌ منافقةٌ دجالةٌ عميلةٌ مبنيةٌ على الإقصاءِ والإبعادِ والسحقِ والقتلِ والحرقِ والدمارِ والتهجيرِ والترويعِ والسبي للنساءِ والأطفالِ وجعلُهُم مابينَ أماءٍ وخولٍ في يدِ الحاكمِ الإسلامي, إلا الخلافةُ الراشدةُ للصحابةِ الخمسةِ -أبو بكرٍ, وعمرٌ, وعثمانٌ, وعلي بنُ أبي طالبٍ, والحسنُ بنُ علي- عليهُم الصلاةُ والسلامُ ...
حيثُ أوكلتْ السماءُ أمرَ تشكيلِ الحكومةِ للعامةِ مِن الناسِ, مع ضربِ الأمثالِ لعاقبةِ إنتخابِ الظالمِ وتسليطهِ على رقابِ المسلمينَ, والسيرِ خلفهُ بشكلٍ أعمى وصولاً الى مبدأ (#حتى_لو_ضربَ_ظهركَ_وأخذَ_مالكَ), فإنَّهُ سيجعلُ المجتمعُ منهُ فرعونَ في زمانهِ, وقارونَ في مالهِ وسرقاتهِ, وهامانَ في عبيدهِ وميلشياتهِ, حتى لا يرضَ هولاءِ إلا بقطعِ الأعناقِ وسلبِ الأرزاقِ, وصولاً بهِم الى مرحلةِ الإستحمارِ المطلقِ والإستخفافِ بالعقولِ, الى حدِ أنَّ لا يُمكن للمجتمعِ أن يرَ بخلافِ ما يراهُ الحاكمُ من الجبروتِ والمُتسلطِ والظالمِ, بحيثُ يصلُ بهِم الحالُ مِن الإستخفافِ والإستهجانِ والتسطيحِ الى مرحلةِ أن لا يُمكن أن يُشخصوا الحقَ مِن الباطلِ والصدقَ مِن الكذبِ والمؤمنِ مِن الكافرِ, بلا يرونَ البرهانَ برهاناً بالمعزلِ عن ذلكَ الظالمِ المُستخفِ بهِم وبعقولِهِم, حيثُ قالَ تعالى واصفاً المجتمعَ الفرعوني ومقدارَ الإستخفافِ بهِم بمنظورِ الظالمِ الحاكمِ لهُم والمُسيطرِ عليهِم : {يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ }غافر 29 ...
بل وقد ذكرَ لنَا القرانُ الكريمُ أنَّ الظالمَ المُتجبرَ الفاسقَ يملكُ ثلاثةُ أشياءٍ فإن إجتمعتْ أستحكموا على عقولِ الناسِ وقلوبِهِم ولا يستطيعونَ بعدَ ذلكَ أن يُغيروا الواقعَ أبداً, وهذهِ الأشياءُ الثلاثةُ : هي المالُ المتمثلُ بقارونَ, والميلشياتُ والمرتزقةُ والقتلةُ والجيشُ مِن العبيدِ المأجورينَ المتمثلُ بهامانَ, والسلطةُ العليا والربُ الأعلى المُشرعُ والقائدُ المتمثلُ بفرعونَ ...
فإنَّ هذهِ العناصرَ الثلاثةِ إذا إجتمعتْ بيدِ الحاكمِ وصلَ المُجتمعُ الى مرحلةِ الإستخفافِ والإستحمارِ والإستئناسِ بهِمَا, بل ومَن يُفكرُ في الإنقلابِ على الحكومةِ المتجبرةِ بعدَ ذلكَ ولو بالقولِ أو التعبيرِ أو بالإتباعِ, سيكونُ مصيرهُ الهلاكَ المحققِ لا مُحالةٍ, حيثُ قالَ تعالى : {وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِـي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ }الأعراف 127 ...
#ولذا :
فإنَّ فشلِ الحكوماتِ الإسلاميةِ المُتعاقبةِ على مرورِ الدهورِ, هي سلسلةٌ طويلةٌ ومحكمةٌ جداً للنيلِ مِن الدولةِ الإسلاميةِ المثاليةِ التي دعتْ لهَا السماءُ وتكفلتْ بسنِّ قوانينِهَا, حيثُ مِن الدمجِ بينَ مفهومِ الدولةِ والحكومةِ إستطاعتْ الكثيرُ مِن القوى بالتحكمِ في مُقدراتِ الشعوبِ مِن خلالِ دمجِ المفهومينِ بمفهومٍ واحدٍ, بحيثُ أنَّ الحكومة والدولة كمفهومٍ واحدٍ بلفظينِ, أي أنَّ كلمةِ الدولةِ والحكومةِ مِن الألفاظِ المشتركةِ شأنُهَا شأنَ أيِّ لفظةٍ لهَا معنيانِ متباينانِ في الخارجِ !!!
وبالمُقابلِ إستطاعَ أعداءُ الإسلامِ مِن المُبشرينَ للأديانِ الأخرى لإستغلالِ هذا الخلطِ المتعمدِ مِن قبلِ الحكوماتِ, مِن حيثُ أنَّ الدولةِ الإسلاميةِ التي تكلمَ عنهَا القرانُ الكريمُ لا وجودَ لهَا على أرضِ الواقعِ أبداً, بل إنَّ فشلَ تطبيقِهَا في الواقعِ يدلُ على فشلِ نظريتِهَا, بل ويدلُ على فشلِ الإسلامِ والدينِ المُتكاملِ القادرِ على قيادةِ الشعوبِ !!!
وإنَّ هذا الخلطَ المُتعمدِ مِن قبلِ الداخلِ والخارجِ وتركيزهُ في مَفهومِ الناسِ, إستطاعَ بالتشكيكِ بعالميةِ الدولةِ الإسلاميةِ التي قالتْ بهَا السماءُ, بل وخرجَ الكثيرُ مِن العوامِ وغيرُ العوامِ مِن الإسلامِ بسببِ الخلطِ بينَ المفهومينِ المُختلفينِ, وصاروا مِن المؤمنينَ بأنَّ الدينَ ليسَ لهُ القدرةُ على قيادةِ الشعوبِ !!!
#بل :
لم تنتهِ المؤامرةُ مِن قبلِ المنتفعينَ والمرتزقةِ الإسلاميينَ الى هذا الحدِ, بل إستطاعوا أن يُغرسوا في الناسِ مفاهيمَ خاطئةٍ وومخالفةٍ صراحةً لتعاليمِ الإسلامِ, بحيثُ شُكلتْ على أساسِ هذهِ المفاهيمِ الكثيرُ مِن السلطاتِ الحاكمةِ اليومَ, وتشكلتْ على نفسِ الأساسِ الكثيرَ مِن الميلشياتِ, بل وتكدستْ الجبالِ مِن أموالِ السحتِ والحرامِ والنهبِ والسرقةِ مِن قوتِ الشعبِ, وكلُّ هذا أمامَ قبولٍ مطلقٍ ممِن قبلِ الكلِّ وصَمْتٍ مطبقٍ مِن قبلِ الكلِّ, بل والإعتقادِ الجازمِ بأحقيةِ هؤلاءِ المجرمينَ والقتلةِ بهذا التصرفِ والعملِ !!!
وبالتالي تغيرتْ الكثيرُ مِن المفاهيمِ لدا الناسُ الى درجةٍ لم يبقَ مِن الإسلامِ إلا أسمهُ وِمن القرانِ إلا رسمهُ, ولا يُمكن التغييرِ بوجودِ العددِ القليلِ مِن الأخيارِ الأنصارِ المناصرينَ لمشروعِ موسى زمانهِ, لأنَّ هؤلاءِ القلةِ ليسَ لهُم الإ أن يدعُ الناسَ الى الإلتحاقِ بمشروعِهِم وبقائدِهِم المباركِ, ليتشكلْ العددِ الكافي لإعلانِ السماءِ تتدخلَهَا بعدَ ذلكَ, تطبيقاً لقولهِ تعالى في هذهِ الآياتِ المباركاتِ :
{فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ }يونس 83 ...
{وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ }يونس 90 ...
{وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ }الأعراف 137 ...
هنالكَ ضوابطٌ في كلِّ شيءٍ تُحْتَسَبُ على أساسِهَا الأشياءُ, وتقيمُ على مَضمونِهَا الأمورُ, وتَقَسَمُ بِلِحاظِهَا الأفرادُ ...
وهذا الضابطُ وهذا المائزُ كثيراً ما يُلتفتُ لهُ مِن قبلِ أربابِ اللغةِ والحرفةِ أولاً, ويحاولانِ تحديدهُ وضبطهُ الى درجةِ أن يكون جامعاً لكلِّ الأفرادِ ومانعاً لكلِّ الأغرابِ ...
ولذا نُلاحظُ أنَّ الإرباكَ الذي يصيبُ أغلبَ العلومِ, فأصلهُ عدمُ التدقيقِ الحقيقي بهذهِ المفردةِ التي تَرجعُ إليهَا كلُّ مفرداتِ العلمِ بلا إستثناءٍ, فمنهَا تبدءُ المشاكلُ وإليهَا تنتهي !!!
هذا بلحاظِ الضابطِ والمائزِ, أما بلحاظِ اللفظِ المُشتركِ واللفظِ المُجملِ فحدثْ بلا حرجٍ, حيثُ إعتمدتْ الكثيرُ مِن التعاملاتِ على هذا المَضمونِ, وترتبتْ الكثيرُ مِن الآثارِ على أساسِ أن يُقدحَ في ذهنِ المُقابلِ شيءٌ بينمَا يُريدُ الماكرُ والخادعُ المُتكلمُ شيئاً آخراً !!!
ولتمريرِالكثيرِ مِن المؤامراتِ على العامةِ مِن الناسِ, ولإحكامِ السيطرةِ على العقولِ والأنفسِ, وبالتالي السيطرةُ التامةُ على التيارِ الجارفِ الأعظمِ, مع إشاعةِ مفهومِ الأغلبيةِ التي لهَا الحقُ في القيادةِ والتَسلطِ, وتنميةِ الشعورِ بمفاهيمٍ لا يَعرفُ العامةُ إلا إسمَهَا وفي الكثيرِ مِن الأحيانِ يجهلونَ رسمهَا, كمفهومِ الديمقراطيةِ وحريةِ الإختيارِ وإدلاءِ الأصواتِ !!!
بل, وزجُ الناسِ في بحرٍ مُتلاطمٍ مِن المُصطلحاتِ والألفاظِ التي لا حدَ لهَا ولا رسمَ في مُخيلةِ الأكثريةِ الساحقةِ مِن الناسِ, وبالتالي جَرُهُم الى مصائدٍ ومكائدٍ لا حَدٍّ لهَا ولا نهايةٍ, بحيثُ يُصَوِتُ الناسُ على شيءٍ, ويُقَتنَعُ الناسُ بشيءٍ, ويُساقُ الناسُ الى شيءٍ, بينمَا ما يجدونَهُ ويلمسونهُ ويصطدمونَ بهِ بعدَ ذلكَ شيءٌ آخرٌ, وفي حالِ إنتباهِ الناسِ وكشفهِم للمؤامرةِ بعدَ فواتِ الأوانِ, سَيُزَجُ بهِم بدوامةٍ جديدةٍ وأمواجٍ عتيدةٍ مِن التبريراتِ والمُحتملاتِ التي لم تَخطرْ على بالِ أحدٍ مِن هؤلاءِ العامةِ والمَساكينَ والأغبياءِ والسُذجِ مِن الناسِ !!!
#ولكن :
ما لم يُلتفتْ إليهِ لحدِ اللحظةِ والى الآن, بعدَ أن كُشِفَتْ هذهِ الطريقةُ الخبيثةُ مِن قبلِ نفسِ المُنتفعينَ بهَا سابقاً, بحيثُ وَعُوا الكثيرَ مِن الشعبِ الى هذهِ المكيدةِ التي طالمَا حكموهُم بهَا وسيطروا على مُقدراتِهِم بإستعمالِهَا, لكنَ متى كَشفوا سِرَهَا وأبانوا طريقَتِهَا, بعدَ أن وجدوا طريقةً أكثرَ تأثيراً وأكثرَ شيطنةً بحيثُ لا تَخطرُ على بالِ ولا تمرُ على ذِهْنِ إبليسَ ومردتهِ بأيةِ حالٍ, ماهي هذهِ الطريقةِ :
هي أن يجعلوا مِن أنفسِهِم المعنى والمُصداقَ الوحيدَ لتلكَ الألفاظِ التي يؤمنُ بوجوبِ تحققِهَا في الخارجِ, وإستحالةُ أن تبقَ بلا أفرادٍ في الواقعِ, ومِنهَا مفهومُ الدولةِ والحكومةِ !!!
حيثُ أنَّ مفهومَ الدولةِ هي ما تُراعي المصالحَ العليا للبلادِ, بغضِ النظرِ عن السلطةِ الحاكمةِ في البلادِ, بحيثُ أنَّ مسؤوليةِ الدولةِ تقتصرُ على الحفاظِ على المَصالحِ العليا للبلادِ التي ضمنتْ الدولةُ وجودَهَا, ولكن أحدُ مؤسساتِ الدولةِ هي الحكومةُ والسلطةُ الحاكمةُ هي التي تُباشرُ تحقيقَ هذهِ السلطةِ على الواقعِ الملموسِ ...
وبالتالي أنَّ لفظةِ الدولةِ هي مفهمٌ مشتركٌ مِن عدةِ مفاهيمِ, بل هي مفهومٌ تقعُ الحكومةُ جزءاً مِن أجزاءِ مصداقهِ في الخارجِ, أي بينَهُمَا عمومٌ وخصوصٌ مطلقاً, وهي المسؤولةُ عن فشلِ وإنجاحِ مشروعهَا المرسومِ مِن خلالِ تحقيقِ أهادفِهَا واقعاً وخارجاً, ...
وبالتالي سيكون للدولةِ مفهومٌ محددٌ في الخارجِ, وهي الحكومةُ والشعبُ والإقليمُ والسيادةُ, ولا يُتوقعُ أبداً أن تتسمَ السياسةُ العليا للبلادِ بعيدةً عن الشعبِ وأعرافهِ ودينهِ وأفكارهِ, فمِن الآيدلوجيةِ الجماهيريةِ تُشتقُ الكثيرُ مِن القوانينَ العليا للبلدِ, وليسَ للإقليمِ أرضاً وماءاً وهواءاً دخلٌ في تلكَ السياساتِ إلا ما تُرتبطُ بمصالحِ الأمةِ المُشتركةِ, وطبقاً للمصالحِ الأمةِ المُشتركةِ تتحقُ ذاتياً السيادةُ التامةُ والهيمنةُ الكاملةُ على البلادِ والعبادِ ...
وبالتالي نلاحظُ أنَّ الشرائعَ السماويةِ والأرضيةِ الوضعيةِ أكدتْ كثيراً على مفهومِ الدولةِ وعلى سنِ القوانينَ والمُثلِ العليا لهَا, بل جعلَتْ الكثيرُ مِن الحكماءِ والفلاسفةِ أن يفترضوا دولةً مثاليةً يُمكنُ تحققهَا وتحقيقيهَا في الخارجِ, أي هؤلاءِ المُشرعونَ إستطاعوا أن يُكونوا دولاً مثاليةً وبشكلٍ كاملٍ وتامٍ, مِن خلالِ سنِ القوانينَ التي تُسيرُ البلادَ والعبادَ على سدةِ الصوابِ دوماً ...
ولذا نلاحظُ أنَّ مفهومَ الدولةِ وبهذا اللحاظِ هو المفهومُ الذي يتمايزُ بهِ المُشرعُ الأرضي (الوضعي) والمُشرعُ السماوي (الأنبياءُ), بحيثُ أنَّ للمُشرعِ السماوي القدرةُ على إختيارِ شكلِ الدولةِ ومفهومِهَا العامِ, وإنَّ سَنَّ القوانينَ لهذهِ الدولِ لا يُمكن أن يُجرَ عليهَا التعديلُ والتبديلُ نِهائياً, لما للمُشرعُ مِن السيطرةُ التامةُ على الحاضرِ والمُستقبلِ على حدٍ سواءٍ, بل لا وجودَ لمفهومِ المُستقبلِ وجودٌ عن السماويينَ أبداً, بل أنَّ القوانينَ جائتْ معتبرةً وحدةِ الحاضرِ والمُستقبلِ وجعلهُمَا قطعً منظورةً واحدةً بعينِ المُشرعِ ...
بينمَا نلاحظُ تعددَ الأزمانِ للمُشرعِ الأرضي, بحيثُ أنَّ سوءَ فهمهِ للحاضرِ لا يَقلُ سوءاً عن فَهِمِ المُستقبلِ, فكمَا أنَّهُ لا يستطيعَ أن يرَ المُستقبلَ القريبَ حتى يُسِنَ لهُ قوانيناً, فكذلكَ لا يَستطيعُ الإستقراءِ التامِ للحاضرِ المَنظورِ, لجمعِ الكلِّ على قانونٍ تامٍ أبداً ...
وهنَا نلاحظُ بشكلٍ تامٍ أنَّ ليسَ إعتبارَ الدينِ الأساسَ في التشريعِ النُظمِ العليا للبلدِ جاءَ بعتبارِ أنَّ الكثيرَ يؤمنونَ بِهِ ولا يخرجُ الكثيرُ عن أوامرهِ, وبالتالي سيكون تَشريعُ القوانينَ التي تُماشي الدينَ فيهَا شيءٌ مِن الشفقةِ عليهَا أو تماشياً مع رغبةِ الناسِ للوصولِ الى قانونَ يُمكنُ أن يُطبقهُ الجميعُ في المستقبلِ ولا يَكونَ عرضةً للهتكِ والخرقِ بسببِ صعوبةِ التماشي معهُ !!!
بل لأنَ الدينَ فيهِ الكمالُ الحقيقي لقيادةِ المُجتمعِ عامةً, وأنَّ هؤلاءِ المُشرعةُ مُجبرونَ على الأخذِ بهِ مُجبرينَ لما لهُ القدرةُ في تَشخيصِ الواقعِ والمُستقبلِ بعيداً عن النزواتِ والشهواتِ, لأنَّهُ يَتعاملُ بالمُثلِ العليا البعيدةِ عن الشهوانياتِ الأرضيةِ التي لا يخلوا أيَّ قانونٍ أرضي مِنهَا, لأنَّ الواضعَ مهمَا كانَ حيادياً في السَنِّ فإنهُ سيستقرأ الرأيَ العامِ لسنِّ هذا القانونَ, وبالتالي فأنهُ سيكونُ شهوانياً غريزياً بإمتيازٍ !!!
#وما :
ميلُ الكثيرُ مِن هؤلاءِ المُشرعةِ وبالخصوصِ الغربيينَ مِنهُم الى العلمانيةِ والليبراليةِ, واللتانِ بُنيتا على أساسِ التخلي الكلي أو شبهِ الكلي عن التعاليمِ السماويةِ, أو تمييعِ التعاليمِ الى درجةِ الإبقاءِ على اللفظِ خالياً مِن الفحوى والرسمِ خالياً مِن المعنى, لأنَّهُم لا يَملكونَ الكثيرَ مِن قوانينَ لإدارةِ الدوليةِ بالتشريعِ السماوي, لأنَّ أغلبَ الدياناتِ السابقةِ على ديننَا الحنيفِ, كالمسيحيةِ واليهوديةِ أكدتْ على الأخلاقِ الفرديةِ والمُجتمعيةِ الرفيعةِ, ولم يَكن لهَا مَشروعُ تشكيلِ وإنشاءِ دولةٍ مثاليةٍ, وهذا ما نلاحظهُ جلياً مِن خلالِ الكثيرِ مِن الغربيينَ كيفَ إضطروا الى وضعِ الأسسِ العلميةِ والعمليةِ لإنشاءِ هذهِ الدولةِ التي أهملتْهَا دياناتُهُم, وأهملتْ التشريعِ لهَا مُقتصرةً على الدويلاتِ الصغيرةِ التي لا تَعْدُوا تشريعاتٍ تخصُ مُجتمعاتٍ وكتلٍ مِن الناسِ تعيشُ على بقعةٍ جغرافيةٍ معينةٍ أكثرُ ممَا هي عليهَا تشريعاتٌ لبناءِ دولةٍ في الحاضرِ والمُستقبلِ ...
بخلافِ التشريعُ الإسلامي فإنَّهُ إهتمَ بمفهومِ الدولةِ الى أقصى حدٍ مُتوقعٍ, بل أنَّنَا يُمكننَا القولُ : إنَّ كلَّ الأحكامِ التي جائتْ في القرانِ الكريمِ تَصبُ في المصلحةِ العليا لتشكيلِ الدولةِ المثاليةِ الموعودةِ تشكيلهَا على يديَّ ذريةِ الرسولِ محمدٍ صلى اللهُ عليهِ والهِ وصحبهِ وسلمَ, بل أنَّ مفهومَ الدولةِ الإسلاميةِ المثاليةِ هو المشروعُ المُسيطرُ على أذهانِ المُسلمينَ كافةً, بحيثُ أننَا يُمكن أن نلاحظَ أنَّ الدولةِ الإسلاميةِ ومشروعَهَا هو ما يحكم العشراتِ مِن البلدانِ في الوقتِ الحاضرِ, برغمِ مِن خلافِ المللِ والنحلِ والمشاربِ والمذاهبِ, وبالمقابلِ فإنَا نلاحظُ أنَّهُ لا وجودَ لبلدينِ غربيينِ أو شرقيينِ يَحكمهُمَا قانونٌ واحدٌ أبداً, بل أن القوانينَ تتعددِ بتعددِ البلدانِ غيرِ الإسلاميةِ الغربيةِ والشرقيةِ ...
وهذا إن دلَّ على شيءٍ يدلُ على قدرةِ السماءِ بوضعِ القوانينَ لتشكيلِ الدولةِ المثاليةِ, بل وأنَّ مِن ألطافِ السماءِ أن سَنَّتْ لنَا الكثيرَ مِن هذهِ القوانينَ التي لا تنالهَا الأيدي البشريةِ لتتلاعبْ بهَا, بل إنَّهَا ثابتةً بمرورِ المئاتِ مِن السنينَ وتقادمِ العصورِ, وهي لا زالتْ تحتفظُ بروحِ الشبابِ الأولِ التي نزلتْ بهَا على خاتمِ الأنبياءِ والمرسلينَ عليهِ وعلى آلهِ أفضلُ السلامِ والتسليمِ وسيما أصحابهُ المنتجبينَ ومَن تبعهُم بإحسانٍ الى يومِ الدينِ ...
#ولكن :
لا ننسَ أنَّ الدنيا دارُ بلاءٍ وشقاءٍ, بخلافِ الآخرةِ دارُ بقاءٍ ونُعَمَاءٍ, لذا فإنَّ مَفهومَ الدولةِ وسنِ قوانينِهَا تكفلتْ بهَا السماءُ لأنَّهَا مِن غيرِ المقدورِ لأي نبي مرسلٍ أو وصي مُنتجبٍ أن يرتقِ الى سَنِّ هذهِ القوانينَ مهمَا أرتفاعتْ منزلتهُ وعلا شأنهُ عندَ خالقهِ جلَّ وعلا, بل إنَّ تكليفَ الأنبياءِ والأولياءِ والصالحينَ بسنِّ هذهِ القوانينَ فضلاً عن المُكلفينَ البسطاءِ أمثالنَا, فإنَّهُ تكليفٌ بغيرِ المقدورِ أبداً, والخارجُ عن السعةِ التي حبا اللهُ تعالى الناسَ بهَا والقدرةِ التي مكنَتْ السماءُ عليهَا !!!
بينَمَا أقصى ما كلفتْ بهِ السماءُ الناسَ -طبقاً لمفهومِ التكليفِ- أنَّ يُشكلوا حكومةً مُطابقةً للدولةِ التي رسمتْهَا لهُم السماءُ ووضعتْ لهُم قوانينَهَا, وهذا تكليفٌ بمقدورٍ وأمرٌ بممكنٍ, ومع ذلكَ فإنَّ الناسَ فَشِلوا على طولِ الخطِ وطولِ الزمانِ وتقادمِ العصورِ على تَشكيلِ هذهِ الحكومةِ المثاليةِ, بل أنَّ الحكوماتِ التي شُكلتْ بعدَ وفاةِ النبي المُصطفى محمدٍ (صلى اللهُ عليهِ والهِ وصحبهِ وسلمَ) كلُّهَا حكوماتٌ منافقةٌ دجالةٌ عميلةٌ مبنيةٌ على الإقصاءِ والإبعادِ والسحقِ والقتلِ والحرقِ والدمارِ والتهجيرِ والترويعِ والسبي للنساءِ والأطفالِ وجعلُهُم مابينَ أماءٍ وخولٍ في يدِ الحاكمِ الإسلامي, إلا الخلافةُ الراشدةُ للصحابةِ الخمسةِ -أبو بكرٍ, وعمرٌ, وعثمانٌ, وعلي بنُ أبي طالبٍ, والحسنُ بنُ علي- عليهُم الصلاةُ والسلامُ ...
حيثُ أوكلتْ السماءُ أمرَ تشكيلِ الحكومةِ للعامةِ مِن الناسِ, مع ضربِ الأمثالِ لعاقبةِ إنتخابِ الظالمِ وتسليطهِ على رقابِ المسلمينَ, والسيرِ خلفهُ بشكلٍ أعمى وصولاً الى مبدأ (#حتى_لو_ضربَ_ظهركَ_وأخذَ_مالكَ), فإنَّهُ سيجعلُ المجتمعُ منهُ فرعونَ في زمانهِ, وقارونَ في مالهِ وسرقاتهِ, وهامانَ في عبيدهِ وميلشياتهِ, حتى لا يرضَ هولاءِ إلا بقطعِ الأعناقِ وسلبِ الأرزاقِ, وصولاً بهِم الى مرحلةِ الإستحمارِ المطلقِ والإستخفافِ بالعقولِ, الى حدِ أنَّ لا يُمكن للمجتمعِ أن يرَ بخلافِ ما يراهُ الحاكمُ من الجبروتِ والمُتسلطِ والظالمِ, بحيثُ يصلُ بهِم الحالُ مِن الإستخفافِ والإستهجانِ والتسطيحِ الى مرحلةِ أن لا يُمكن أن يُشخصوا الحقَ مِن الباطلِ والصدقَ مِن الكذبِ والمؤمنِ مِن الكافرِ, بلا يرونَ البرهانَ برهاناً بالمعزلِ عن ذلكَ الظالمِ المُستخفِ بهِم وبعقولِهِم, حيثُ قالَ تعالى واصفاً المجتمعَ الفرعوني ومقدارَ الإستخفافِ بهِم بمنظورِ الظالمِ الحاكمِ لهُم والمُسيطرِ عليهِم : {يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ }غافر 29 ...
بل وقد ذكرَ لنَا القرانُ الكريمُ أنَّ الظالمَ المُتجبرَ الفاسقَ يملكُ ثلاثةُ أشياءٍ فإن إجتمعتْ أستحكموا على عقولِ الناسِ وقلوبِهِم ولا يستطيعونَ بعدَ ذلكَ أن يُغيروا الواقعَ أبداً, وهذهِ الأشياءُ الثلاثةُ : هي المالُ المتمثلُ بقارونَ, والميلشياتُ والمرتزقةُ والقتلةُ والجيشُ مِن العبيدِ المأجورينَ المتمثلُ بهامانَ, والسلطةُ العليا والربُ الأعلى المُشرعُ والقائدُ المتمثلُ بفرعونَ ...
فإنَّ هذهِ العناصرَ الثلاثةِ إذا إجتمعتْ بيدِ الحاكمِ وصلَ المُجتمعُ الى مرحلةِ الإستخفافِ والإستحمارِ والإستئناسِ بهِمَا, بل ومَن يُفكرُ في الإنقلابِ على الحكومةِ المتجبرةِ بعدَ ذلكَ ولو بالقولِ أو التعبيرِ أو بالإتباعِ, سيكونُ مصيرهُ الهلاكَ المحققِ لا مُحالةٍ, حيثُ قالَ تعالى : {وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِـي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ }الأعراف 127 ...
#ولذا :
فإنَّ فشلِ الحكوماتِ الإسلاميةِ المُتعاقبةِ على مرورِ الدهورِ, هي سلسلةٌ طويلةٌ ومحكمةٌ جداً للنيلِ مِن الدولةِ الإسلاميةِ المثاليةِ التي دعتْ لهَا السماءُ وتكفلتْ بسنِّ قوانينِهَا, حيثُ مِن الدمجِ بينَ مفهومِ الدولةِ والحكومةِ إستطاعتْ الكثيرُ مِن القوى بالتحكمِ في مُقدراتِ الشعوبِ مِن خلالِ دمجِ المفهومينِ بمفهومٍ واحدٍ, بحيثُ أنَّ الحكومة والدولة كمفهومٍ واحدٍ بلفظينِ, أي أنَّ كلمةِ الدولةِ والحكومةِ مِن الألفاظِ المشتركةِ شأنُهَا شأنَ أيِّ لفظةٍ لهَا معنيانِ متباينانِ في الخارجِ !!!
وبالمُقابلِ إستطاعَ أعداءُ الإسلامِ مِن المُبشرينَ للأديانِ الأخرى لإستغلالِ هذا الخلطِ المتعمدِ مِن قبلِ الحكوماتِ, مِن حيثُ أنَّ الدولةِ الإسلاميةِ التي تكلمَ عنهَا القرانُ الكريمُ لا وجودَ لهَا على أرضِ الواقعِ أبداً, بل إنَّ فشلَ تطبيقِهَا في الواقعِ يدلُ على فشلِ نظريتِهَا, بل ويدلُ على فشلِ الإسلامِ والدينِ المُتكاملِ القادرِ على قيادةِ الشعوبِ !!!
وإنَّ هذا الخلطَ المُتعمدِ مِن قبلِ الداخلِ والخارجِ وتركيزهُ في مَفهومِ الناسِ, إستطاعَ بالتشكيكِ بعالميةِ الدولةِ الإسلاميةِ التي قالتْ بهَا السماءُ, بل وخرجَ الكثيرُ مِن العوامِ وغيرُ العوامِ مِن الإسلامِ بسببِ الخلطِ بينَ المفهومينِ المُختلفينِ, وصاروا مِن المؤمنينَ بأنَّ الدينَ ليسَ لهُ القدرةُ على قيادةِ الشعوبِ !!!
#بل :
لم تنتهِ المؤامرةُ مِن قبلِ المنتفعينَ والمرتزقةِ الإسلاميينَ الى هذا الحدِ, بل إستطاعوا أن يُغرسوا في الناسِ مفاهيمَ خاطئةٍ وومخالفةٍ صراحةً لتعاليمِ الإسلامِ, بحيثُ شُكلتْ على أساسِ هذهِ المفاهيمِ الكثيرُ مِن السلطاتِ الحاكمةِ اليومَ, وتشكلتْ على نفسِ الأساسِ الكثيرَ مِن الميلشياتِ, بل وتكدستْ الجبالِ مِن أموالِ السحتِ والحرامِ والنهبِ والسرقةِ مِن قوتِ الشعبِ, وكلُّ هذا أمامَ قبولٍ مطلقٍ ممِن قبلِ الكلِّ وصَمْتٍ مطبقٍ مِن قبلِ الكلِّ, بل والإعتقادِ الجازمِ بأحقيةِ هؤلاءِ المجرمينَ والقتلةِ بهذا التصرفِ والعملِ !!!
وبالتالي تغيرتْ الكثيرُ مِن المفاهيمِ لدا الناسُ الى درجةٍ لم يبقَ مِن الإسلامِ إلا أسمهُ وِمن القرانِ إلا رسمهُ, ولا يُمكن التغييرِ بوجودِ العددِ القليلِ مِن الأخيارِ الأنصارِ المناصرينَ لمشروعِ موسى زمانهِ, لأنَّ هؤلاءِ القلةِ ليسَ لهُم الإ أن يدعُ الناسَ الى الإلتحاقِ بمشروعِهِم وبقائدِهِم المباركِ, ليتشكلْ العددِ الكافي لإعلانِ السماءِ تتدخلَهَا بعدَ ذلكَ, تطبيقاً لقولهِ تعالى في هذهِ الآياتِ المباركاتِ :
{فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ }يونس 83 ...
{وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ }يونس 90 ...
{وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ }الأعراف 137 ...
مواضيع ومقالات مشابهة