السفياني والدجال بين تعدد العناوين وأتحاد المصداق
غِيَابُ الدَولَةِ العِرَاقِيَةِ وإسْتِحْكَامُ سَطْوَةِ المِلِيشيَاتِ :الدكتور مهند جاسم الحسيني..
الحلقةُالثامنةُ :فَكَمَا على أئمةِ الهدى وأعلامِ التُقَى أن يَصِلُوا مَا يُمكنُ لَهُم أن يَصِلوا, كذلكَ عليهِم أن يُعيدوا صياغةَ الحديثِ والكلامِ بصيغةٍ تتناسبُ مع المكانِ والزمانِ وحالِ المتلقي والناقلِ والراوي !!!
وهذهِ المهمةُ ليستْ بالمهمةِ السهلةِ والبسيطةِ واليسيرةِ على هؤلاءِ الأئمةِ (عليهم الصلاةُ والسلامُ), بل لابدَ لَهُم مِن إنكشافِ بعضِ الحُجْبِ المستقبلةِ, والسُحْبِ التراكميةِ, ليتسنَ لأمثالِهمِ أن يروا الحادثَ والمستقبلَ على حدٍ سواءٍ, ولا فرقَ بعدَ ذلكَ بينَ رؤيتِهِم المستقبلِ والحاضرِ والماضي, بل تصبحُ الأحداثُ والمستجداتُ والمستقبلياتُ كالأحوالِ مِن حيثُ الرؤيةِ والإطلاعِ والفهمِ والإدراكِ ...
وليسَ في الأمرِ محذورٌ أبداً, لأنَّ المحذورَ أن ننسبَ الكلامَ عن المستقبلِ على ألسنِ الجاهلينَ بهِ, فليسَ مِن العقلِ ولا مِن الصوابِ أن نتعلمَ ونحذرَ آفاتِ الزمانِ التي حذرنَا بهَا مَن يجهلَ وقوعَهَا ومعناها في المستقبلِ, وعندَهَا لابدَ مِن فرضِ المعرفةِ واْتحادِ الزمنِ عندَ المتكلمِ أولاً ليتحققْ التحذيرُ ثانياً !!!
ولا محذورَ ولا تناقضَ عندَ فرضِ معرفةِ الأئمةِ (عليهِم السلامُ) مَع إنحصارِ الغيبِ عندَ اللهِ تعالى, لأنَّ أمرَ التمكينِ مِن الغيبِ والغيبياتِ مُباحٌ لخاصةِ أوليائهِ مِن أنبياءٍ ومرسلينَ وعلماءٍ وصالحينَ, بحيثُ أنَّ هذهِ الإباحةَ تتناسبُ فقط مع الدورِ المناطِ بهِ ذلكَ المصلحِ, فيكونُ بذلكَ الرسولُ محمد (صلى اللهُ عليهِ والهِ وصحبهِ وسلمَ) هو الأرقى والأنقى والأرفعُ معرفةً مِن سائرِ الأنبياءِ والمرسلينَ والعلماءِ والصالحينَ, كيفَ لا وهو خاتمُ الأنبياءِ والمرسلينَ, وعليهِ تركةُ كلَّ أعباءِ النبوةِ السابقةِ على نبوتهِ, وموكولٌ إليهِ شأنُ الهدايةِ للبشريةِ كافةً وصولاً الى اليومِ الموعودِ ...
وهنَا أودُ إلفاتَ إنتباهَ المقابلِ وبحذرٍ, إذا كانتْ الروايةُ لهَا مصادقاً واحداً وبألفاظٍ متعددةٍ على لسانِ الأئمةِ (عليهِم السلامُ), فيجبُ أن نفترضَ أن نفسَ الإمامِ والمعصومِ لهُ شيءٌ كبيرٌ من تلكَ المعارفِ المستقبليةِ, وإلا كيفَ لهُ أن يتلاعبَ بالألفاظِ ويستعملَ التوريةَ اللغويةَ والكنايةَ البلاغيةَ والتشبيهَ العظيمَ على معنى يحصلُ في المستقبلِ ولهُ نفسُ المصداقِ, إلا إذا فرضنَا أن الكثيرَ مِن المحذوراتِ الغيبيةِ قد أباحتْهَا لهُ السماءُ كَمَا أباحتْهَا الى الرسولِ الكريمِ (صلى اللهُ عليهِ والهِ وصحبهِ وسلمَ), ولكن هذهِ الإباحةُ بمفهومِهَا المشككِ والمختلفِ بحسبِ الإستحقاقِ الإلهي,
طبقاً لقولهِ تعالى في سورةِ الجن : (قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً{25} عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً{26} إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً{27}) ...
وبما أننَا لسنا مطلعينَ على الغيبِ ولا حافينَ بهِ لا مِن قريبٍ ولا مِن بعيدٍ, لذا توجبَ على النبي محمدٍ (صلى اللهُ عليهِ والهِ وصحبهِ وسلمَ), كمَا يتوجبُ على الأئمةِ المعصومينَ (عليهِم الصلاةُ والسلامُ), أنَّ يُحَذِرُوا الناسَ مغبةَ آخرِ الزمانِ, كَما حذروهُم مِن عذابِ الآخرةِ والنارِ وجَهَنمَ والخلودِ فيهَا, لأنَّ الفتنَ وملماتِ الفتنِ هي مِن أكثرِ الطرقِ المؤديةِ الى سوقِ الناسِ الى العذابِ والعقابِ والخلودِ في النارِ, لذا يأتي هذا التحذيرُ على لسانِ الأنبياءِ والمرسلينَ والأئمةِ والصالحينَ (عليهِم السلامُ أجمعينَ) مِن هذا البابِ وطبقاً للوظيفةِ الشرعيةِ المناطةِ بهِم كانبياءٍ أو أوصياءٍ لانبياءٍ, بطريقةٍ مستمرةٍ ومتسلسلةٍ مِن حيثُ الفهِم والطرحِ والتوسعةِ والشمولِ والإضاحِ, وبمَا يتناسبُ معَ وظيفتِهِم الإرشاديةِ والعمليةِ في هدايةِ المجتمعاتِ والشعوبِ أوالبشريةِ عموماً !!!
وهذا التدرجُ بالطرحِ والأخبارِ والإبلاغِ صارَ واضحاً وجلياً عندَ مَن تابعَ المقالاتِ السابقةِ على هذهِ, فالأخبارُ التي جاءتْ في الكتابينِ المقدسينِ التوراتِ والإنجيلِ حولَ فتنِ آخرِ الزمانِ ونهايةِ الظلمِ والفسادِ والإفسادِ, بل وشيوعِ الفضيلةِ والخيرِ والصلاحِ والإصلاحِ, كلِّهَا جاءتْ مكتنفةً بالشيءِ الكثيرِ مِن الغموضِ, بحيثُ أصبحتْ متعذرةَ الفهمِ الى حدِ الإمتناعِ, وربَّمَا أن هذا الغموضَ نتيجةً للأساليبِ البلاغيةِ لليهودِ والنصارى لا تُشابهُ ما عندَ العربِ مِن أساليبِ, بحيثُ إنفقدَ الكثيرُ مِنهَا بمرورِ الزمنِ, مضافاً الى إنفقادِ المتبقي بسببِ التناقلِ الى اللغةِ العربيةِ واللغاتِ الأخرى, ومَا بقي فيهَا مِن تنبيهاتٍ وتحذيراتٍ لا ترتقي الا كمؤيداتٍ لمَا بلغنَا مِن أهلِ بيتِ العصمةِ ومختلفِ الملائكةِ ومنزلِ الوحي والقرانِ الكريمِ ...
لذا فإنَّ ما بلغنَا مِن أخبارٍ عِن الرسولِ المختارِ وآلهِ الأطهارِ والصحابةِ الأبرارِ, يُمثلُ الأوضحُ والأرقى والأنقى فهمَاً مِن بينِ ما وصلنَا مِن سائرِ الدياناتِ الأخرى, وهذا يرجعُ الى عدةِ أسبابٍ مِنهَا :
1- إنَّ المعنيينَ مِن الخطابِ والتحذيرِ والإنذارِ والتخويفِ سيكونوا معاصرينَ لهذهِ النبوةِ حصراً, فصارَ مِن اللائقِ عقلاً كشفِ اللثامِ عن الكثيرِ مِنهَا ليتحققْ التبليغُ والإنذارُ والتحذيرُ, دونَ أولئكَ مِن غيرِ المعنيينَ بهَا مِن الأممِ السالفةِ على هذهِ الأمةِ المظلومةِ التي سوفَ تواجهُ أعتى أنواعِ البلاءِ والإختبارِ في آخرِ الزمانِ ...
وهذهِ مِن الطرقِ القرانيةِ التي لهَا شواهدٌ عديدةٌ في كتابِ اللهِ تعالى, حيثُ لَم يقفْ القرانُ الكريمُ على أيِّ نبوةٍ مِن النبواتِ السابقةِ على نبوةِ الخاتمِ (صلى اللهُ عليهِ والهِ وصحبهِ وسلمَ) ذِكْرَاً بالإسمِ وتصريحاً بهِ, إلا في نبوةِ عيسى بنِ مريمَ (عليهِ السلامُ),
حيثُ قالَ تعالى مجدهُ وعلا ذكرهُ : {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ } الصف 6,
وهذا الذكرُ والتصريحُ مبررٌ وضمنَ الوظيفةِ الشرعيةِ المناطةِ بالنبي عيسى (عليهِ السلامُ), فَبنو إسرائيلَ معنيونَ بنوةِ الخاتمِ (صلى اللهُ عليهِ والهِ وصحبهِ وسلمَ), للتقاربِ الزمني بينهُ وبينهُم, لذا جاءَ التصريحُ علانيةً, كَمَا كانَ الأقبواطُ معنيونَ بنبوةِ عيسى (عليهِ السلامُ) الذي جاءَ التبشيرُ بهِ مِن قبلِ موسى (عليهِ السلامُ) بقولهِ : {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ ...} ...
2- التقاربُ الزمني بينَ نبوةِ المختارِ وإمامةِ آلِ بيتهِ الأطهارِ الى أحداثِ آخرِ الزمانِ, ما لو قسنَاهَا بالنبواتِ الأبعدِ زمناً مِن نبوةِ الخاتمِ (صلى اللهُ عليهِ والهِ وصحبهِ وسلمَ), وهذا ما جعلَ الكثيرَ مِنهَا يصلنَا دونَ إندثارٍ, كمَا حصلَ مع باقي الدياناتِ السابقةِ على ديننَا الحنيفِ ...
3- التحذيراتُ لا تتناسبُ مع العقولِ المعاصرةِ للنبواتِ السابقةِ على نبينَا (عليهِ السلامُ), لأنَّ الحديثَ عن شخصياتٍ ووصفِهَا بالمنحرفةِ دينياً وإسلامياً لا يتناسبُ مَع أولئكَ المعاصرينَ لأنبياءِ اليهودِ مثلاً, فلذا جاءَ الخطابُ بمَا يتناسبُ مع العقولِ والأفهامِ والإدراكِ مِن قبلِ المرتبطينَ بالدينِ الإسلامي فقط ...
4- النبواتُ السابقةُ غيرُ معنيةٍ كثيراً عن تحققِ دولةِ العدلِ الإلهي بقيادةِ قائمِ آلِ محمدٍ (عليهِ السلامُ), لعلمِهَا أن هذا التمهيدَ بعيدٌ نسبيةً عن الأقوامِ المعاصرةِ لهَا, بل أنَّ الرقي الديني والمعرفي والسلوكي لا يصلحُ أن يظهرَ فيهمِ المنقذُ العالمي (عليهِ السلامُ), بقدرِ ما يَهُمُهَا التمهيدُ للنبي الخاتمِ محمد (صلى اللهُ عليهِ والهِ وصحبهِ وسلمَ) المربي الحقيقي والمباشرِ للمنقذِ الموعودِ (عليهِ السلامُ), لذا أغفلتْ النبواتُ هذا الجانبُ تقريباً ...
ولكي لا يعجلُ علينَا الملقلقونَ بألسنتِهِم -الببغاواتُ- مِن أولئكَ الأغبياءِ والمنافقينَ والحاسدينَ والحاقدينَ, لذا نضطرُ الى شرحِ هذا بطريقةٍ مناسبةٍ لموضعِ المقالِ وليسَ الدرسَ والتأليفَ, لأنَّ المعلومَ عنهُمَا يختلفانِ موضوعاً ومضموناً, فلا تصحُ المقارنةُ بينَ كاتبِ المقالِ وكاتبِ الدرسِ والبحثِ وملقيهِمَا لنسبةِ العمومِ والخصوصِ التي بينهمَا ...
#لذا_أقولُ :
ويُحتملُ كبيراً أن النبواتِ غيرَ المعنيةِ بالتمهيدِ المباشرِ لقيامِ دولةِ العدلِ الإلهي بقيادةِ مهدي الأممِ (عليهِ السلامُ), لم تكن تعلمُ بالكثيرِ من أحداثِ الغيبِ المرتبطةِ في آخرِ الزمانِ, لأنَّ هكذا معارفاً ستكونُ مِن بابِ العلمِ الذي لا ينفعُ, وبالتالي تركُ السماءِ تعليمَهُم إياهُ مِن بابِ الأولى والأرجحُ عقلاً ...
وهذا ما يُمكن أن نستشفهُ وبوضوحِ مِن قصةِ العبدِ الصالحِ, العبدِ الذي لَم يكن نبياً ولا رسولاً ولا نائباً ولا وكيلاً ولا وصياً, والنبي والرسولِ موسى بنِ عمرانَ (عليهِ السلامُ), حيثُ كيفَ إرتقى العبدُ الصالحُ على موسى (عليهِ السلامُ) بالكثيرِ مِن المعارفِ حتى وصفَ حالَ موسى (عليهِ السلامُ) بإستحالةِ أن يرقَ الى تلكَ المعارفِ, لا لشيءِ سوى أن العبدَ الصالحَ كانَ يُهَيَئُ لهُ مِن قبلِ السماءِ أن يكنَ أحدَ الأفرادِ المباشرينَ في اليومِ الموعودِ, بخلافِ النبي موسى بنِ عمرانَ (عليهِ السلامُ) حيثُ لم يكن لهُ دورٌ مباشرٌ في التمهيدِ لدولةِ العدلِ الإلهيةِ بقدرِ التمهيدِ الى نبوةِ الخاتمِ (صلى اللهُ عليهِ والهِ وصحبهِ وسلمَ) ...
حيثُ قالَ تعالى مجدُ وعلا ذكرهُ في سورةِ الكهفِ : ( ...... فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً{65} قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً{66} قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً{67} وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً{68} قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِراً وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْراً{69} قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً{70} فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً{71} قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً{72} قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً{73} فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَاماً فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً{74} قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْراً{75} قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْراً{76} فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً{77} قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً{78} أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً{79} وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً{80} فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً{81} وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً{82}) ....
ويمكن أن يرتقِ بنَا الحديثُ أكثرَ فأكثرَ, فكمَا أنَّ البشرَ محجوبونَ عِن الغيبِ بشكلٍ تامٍ, فكذلكَ الحالُ بالنسبةِ الى الملائكةِ المقريبينَ, حيثُ أنَّ آدمَ (عليهِ السلامُ) بمَا أدخرَ اللهُ تعالى لهُ أن يكن لهُ دورٌ في اليومِ الموعودِ مِن خلالِ السببِ المباشرِ في إيجادِ الخليقةِ منِ صلبهِ (عليهِ السلامُ), لذا كانَ يَطَلِعُ على الكثيرِ مِن المعارفِ الإلهيةِ المرتبطةِ باليومِ الموعودِ والدولةِ الموعودةِ وصاحبهَا الموعودِ (عليهِ السلامُ), وهذا الإطلاعُ لم يكن متاحاً للملائكةِ المقربينَ جميعاً, لأنَّهُم غيرُ معنيينَ في تلكَ الفترةِ باليومِ الموعودِ, لذا لا يتناسبُ أن يعرفوا بعضَ الغيبِ لأنَّ المعرفةَ سوفَ تكونُ بلا موجبٍ,
حيثُ قالَ تعالى مجدهُ وعلا ذكرهُ واصفاً معرفةَ آدمَ (عليهِ السلامُ) بالغيبِ قياساً بالملائكةِ : (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ{30} وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ{31} قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ{32} قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ{33}) ...
وإنَّ نفسَ هؤلاءِ الملائكةِ لم يصلوا الى مرحلةِ الإستحقاقِ الإلهي لمعرفةِ الأسماءِ الغيبيةِ إلا بعدَ أن صارَ لهُم الشرفُ في التمهيدِ لدولةِ العدلِ الإلهي بقيادةِ مهدي الأممِ (عليهِ السلامُ), حيثُ سيكونُ مِنهُم الوحيُ وملكُ الموتِ وصاحبُ الصورِ والريحِ والكرامُ الكاتبونَ وغيرُهُم, ولا وجودَ لهذهِ الأشياءِ قيمةٌ إلا بتحققِ اليومِ الموعودِ !!!
5- البشريةُ المعاصرةُ لتلكَ النبواتِ لَم يصلوا الى مرحلةِ الإستحقاقِ الإلهي لكشفِ الكثيرِ مِن متلابساتِ آخرِ الزمانِ, لأنَّ الكشفَ التامَ يحتاجُ الى سلسلةِ مخبرينَ بعدَهَا, وبالتالي أنَّ التابعينَ لهذهِ السلسلةِ هُم المستحقينَ لهذا الكشفِ دونَ غيرهِم ...
لأنَّ السماءَ كَمَا إنهَا ترسلُ بالأنبياءِ مبشرينَ ومنذرينَ, كذلكَ هي معنيةٌ باستمرارِ الخطِ لهذهِ النبواتِ على مدارِ الزمانِ بعدَ وفاةِ النبي على شكلِ أسباطٍ أو أوصياءٍ أو أئمةٍ, فالقضيةُ كمَا تحققتْ للكثيرِ مِن الأنبياءِ (عليهِم السلامُ) لغايةِ النبوةِ اللاحقةِ, فهي بالضرورةِ متحققةٌ لنبوةِ النبي المختار (صلى اللهُ عليهِ والهِ وصحبهِ وسلمَ), بل تتأكدُ هذهِ الضرورةُ لإستمرارِ الرسالةِ بأيدي هؤلاءِ الأمناءِ عليهَا, ومِن هذهِ الضرورةِ العقليةِ فلا نحتاجُ الى تواترِ الرواياتِ -برغمِ مِن تواترِهَا- ولا الى إستفاضَتِهَا في إثباتِ هؤلاءِ الأمناءِ, لأنَّهُم هُم القيمونَ على الدينِ والحفظةُ على حفظِ نصوصهِ وتأويلاتهِ الى آخرِ فردٍ فيهِم ...
وبالتأكيدِ إنَّ إستمرارَ هؤلاءِ المخلصينَ للدينِ وللرسولِ الأمينِ (عليهِم الصلاةُ والسلامُ أجمعينَ), سينكشفُ الكثيرُ مِن الغموضِ الذي يعتري هذهِ النصوصَ والمفاهيمَ المرتبطةَ بأحداثِ آخرِ الزمانِ, لأنَّ التبشيرَ والتنذيرَ كمَا هو مناطٌ بالنبي (عليهِ السلامُ) كذلكَ هو مناطٌ بالأسباطِ التابعينَ لهُ, لذا يكونُ مقتضى الوظيفةِ العمليةِ هو الحفاظُ على الناسِ مِن كيدِ الشيطانِ الرجيمِ, وترغيبِهِم الى الصراطِ السوي المستقيمِ ...
#وبعدَ ...
وضوحِ هذهِ الأسبابِ الخمسةِ المسؤولةِ عن وضوحِ الأخبارِ المعتنيةِ بفتنِ آخرِ الزمانِ, والتي بالغنَا في شرحِهَا وتفهيمِهَا الى المتلقي بغيةً الى أنَّ يستوعبَ الكثيرَ ممَا نرومُ بلوغهُ مِنهَا, صارَ واضحاً وجلياً جداً أنَّ ما وصلنَا عن النبي المختارِ (صلى اللهُ عليهِ والهِ وصحبهِ وسلمَ) هو الأوضحُ والأرقى والأوسعُ ممَا بلغهُ سائرُ الأنبياءِ والمرسلينَ والأسباطِ أجمعينَ ...
ولكن بتنَا على مفترقِ طريقٍ :
حيثُ إفترقتْ الأمةُ مِن بعدهِ الى فرقتينِ, فرقةٌ أكدتْ إنقطاعَ الحديثَ مِن بعدهِ, فلا مصدرَ للتشريعِ بعدَ فاتهِ (عليهِ السلامُ), ومَا بقي الى يومِنَا هذا هو ما نقلهُ الصحابةُ الكرامُ, كابرٌ عن كابرٍ وتابعٌ عن تابعٍ وهكذا ...
والآخرى تيقنتْ أنَّ موتهُ (عليهِ السلامُ) لا يعني إنتهاءَ والجمودَ على ما أخبرَ بهِ مِن النصوصِ والتشريعاتِ, بل الكثيرُ مِن الأحكامِ والمواعظِ والعبرِ والسيرةِ إنتقلتْ منهُ (عليهِ السلامُ) الى الأئمةِ مِن بعدهِ (عليهِم السلامُ), فكمَا كانَ عليهِ السلامُ مصدراً للتشريعِ فكذلكَ هُم (عليهِم السلامُ) مصادراً لهُ, ولكن تشريعاتِهِم بالطولِ مع تشريعاتهِ وليسَ بالعرضِ ...
#ولذا ...
بعدَ أن أمنيتْ الأمةُ الإسلاميةُ بهذهِ الفرقةِ والتفرقِ والإنشطارِ والتشرذمِ, ظهرتْ لنَا عدةُ مفاهيمٍ وعناوينَ, ولكن هذهِ المفاهيمَ والعناوينَ متعدةٌ بتعددِ الفِرَقِ, فما تجدهُ في فرقةِ الشيعةِ لا تجدهُ في فرقةِ السنةِ, ومَا تجدهُ عند السنةِ لا تجدهُ عندَ الشيعِة ...
وأقصدُ في المقامِ تعددِ عنوانِ وعناوينِ ومفهومِ ومفاهيمِ إرهاصاتِ وعلاماتِ آخرِ الزمانِ, بالرغمِ مِن أنَّ النبي واحدٌ (صلى اللهُ عليهِ والهِ وصحبهِ وسلمَ) والكتابَ واحدٌ, ولا يمكن أن يُعتقدَ أن النبي (عليهِ السلامُ) قدَ أخبرَ بخبرينِ, أحدهمَا نقلهُ الشيعةُ وتعمدتْ السنةُ على عدمِ نقلهِ, والآخرُ نقلتهُ السنةُ وتعمدتْ الشيعةُ على عدمِ نقلهِ, لأعتقادِ كلا الطرفينِ بأنَّهُ لا ينطقُ عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يوحى !!!
#فمثلاً :
#عنوانُ_السفياني_والدجال ...
لو طالعنَا كتبَ الحديثِ والسيرةِ والتفسيرِ عندَ السنةِ والجماعةِ لوجدنَا أنَّهُم بالغوا كثيراً في نقلِ مفهومِ وعنوانِ الدجالِ الى حدِ التواترِ المثيرِ لليقينِ بالصدورِ من النبي (صلى اللهُ عليهِ والهِ وصحبهِ وسلمَ), بل أنَّ هذا التواترَ لا نجدهُ في أي عنوانٍ آخرٍ مِن عناوينِ فتنِ آخرِ الزمانِ ...
حيثُ أوردوا أنَّ كلَّمَا قالهُ الرسولُ (صلى اللهُ عليهِ والهِ وصحبهِ وسلمَ) عِن الدجالِ في حالةِ اليقظةِ والنومِ والوقوفِ والقعودِ والإتكاءِ والجلوسِ, وفي أحوالهِ أجعِهَا, بل نُقَلَ عنهُ (عليهِ السلامُ) الرجالُ والنساءُ والأقاربُ والأزواجُ, وهذا ما يُؤكدُ لنَا أنَّ الرسولَ (صلى اللهُ عليهِ والهِ وصحبهِ وسلمَ) لَم ينكفئْ عن حديثِ الدجالِ حتى عندَ خلوتهِ بأهلِ بيتهِ ونسائهِ (عليهِ السلامُ), ولشدةِ التأكيدِ عليهِ ماجعلَ الصحابةَ يبحثونَ عن مصاديقهِ في مكةَ والمدينةِ بالرغمِ مِن إخبارهِ (عليهِ السلامُ) بأنهُ لا يدخلهُمَا أبداً !!!
ويقابلُ هذا نقلُ التواترِ والتأكيدِ عندَ السنةِ والجماعةِ لمفهومِ الدجالِ, الفتورَ والضعفَ والقصورَ والتقصيرَ أو غيرهمَا عندَ الشيعةِ ورواتِهِم, بحيثُ جعلوا ما تواترَ هنَاك لا يرقى الى منزلةِ الإستفاضةِ أو أقلِ مِن ذلكَ, هذا ما لو جمعنَا الرواياتِ التي ذكرتْ الدجالَ مع غيرهِ مِن فتنِ وإرهاصاتِ آخرِ الزمانِ, أمَا ما نقلوهُ عن الدجالِ وصفاتهِ وعلاماتهِ وأفعالهِ منفردةً, فلا وجودَ لهَا إلا بالعددِ الذي لا يرقى إلا الى خبرِ الآحادِ, ناهيكَ عن إهمالِ وعدمِ ذكرِ التفاصيلِ التي قيلتْ فيهِ !!!
#وبالمقابل :
إنَّ شيعةَ أهلِ البيتِ والتابعينَ لهُم قد نقلوا أخباراً عن السفياني وبالغوا في النقلِ عنهُ الى حدِ التواترِ المثيرِ للقطعِ واليقينِ بصدورِ الخبرِ عن أهلِ بيتِ العصمةِ (عليهِم الصلاةُ والسلامُ), بحيثُ لَم يكتفوا بنقلِ الخبرِ بل تعمدوا أن ينقلوا حالةَ المعصومِ (عليهِ السلامُ) أيضاً, وهذا خلافُ عادةِ رواةِ أهلِ البيتِ (عليهِم السلامُ) بنقلِ الحالةِ للمتكلمِ كمَا يفعلُ رواةُ السنةِ والجماعةِ مِن وصفِ الحركةِ والسكونِ والجلوسِ والإتكاءِ ولونِ الوجهِ وحركةِ اليدينِ والأصابعِ !!!
ويقابلُ هذا نقلُ المتواترِ عنَ أهلِ بيتِ الرسولِ (عليهِ وعليهِم الصلاةُ والسلامُ), الإمتناعَ والرفضَ والإهمالَ والقصورَ والتقصيرَ أو غيرَهُمَا عندَ رواةِ السنةِ ومحدثيهِم الى حدٍ كبيرٍ جداً جداً جداً, بحيثُ جعلوا مَا تواترَ عندَ الشيعةِ خبرهُ لا يرقى الى الضعيفِ عندَهُم, ناهيكَ عن رمي مَا وصلَ إليهمِ مِن بقايا الحديثِ الى حدِ التهمةِ بالوضعِ والتدليسِ والإدراجِ خطأ, لا لشيءٍ إلا لأنَّ الراوي لهَا هو نعيمُ بنُ حمادٍ مثلاً, والمتهمُ عندهُم بالضعفِ وهو الراوي لأغلبِهَا أو كلِّهَا, بالإضافةِ أن الصحيحينِ لمسلمِ والبخاري ومَا أخرجهُ أحمدٌ في مسندهِ لَم يذكروا لفظةَ السفياني على الإطلاقِ لا مِن قريبٍ ولا مِن بعيدٍ, طبعاً هذا مَا قرأتهُ مِن كتبِهِم لا مَا بحثتهُ بنفسي !!!
فبالرغمِ مِن نقلِهِم ما يأتي مِن آثارِ وإستعمالِهِم لهَا في الكثيرِ مِن أبحاثِهِم العقائديةِ والسيريةِ والتاريخيةِ, ألا أنَّهُم رفضوا ما جاءَ في كتابِ الفتنِ لأبنِ حمادٍ لأنَّهَا مِن صنفِ الآثارِ وليسَ الأحاديثَ, حيثُ قالَ فيهَا الذهبي في كتابهِ السير : (لا يجوز لأحد أن يحتج به، وقد صنف كتاب (الفتن)، فأتى فيه بعجائب ومناكير),
ولا أعرفُ هل جاءَ أبنُ حمدادٍ مِن العجائبِ ما جاءتْ بهِ أحاديثُ الدجالِ !!!, وهذا سؤالٌ يُتركُ الى المحاضراتِ والمصنفاتِ طرحهُ, ولا يتناسبُ النقاشُ فيهِ في ما يُعرفُ عندَنَا بالمقالِ ...
#المهم ...
نحنُ أمامَ خبرينِ متواترينِ ومثيرينِ ليقينيةِ الصدورِ, ولكن كلًّ مِن طرفهِ, فمَا نقلهُ الشيعةُ لَم ينقلهُ السنةِ إلا قليلاً, وأما المنهجُ التيمي الأموي فلم ينقلْ منهُ حديثاً واحداً على الإطلاقِ, بل عمدَ الى تفنيدِ ما جاءَ بطرقِ غيرهِ مِن أبناءِ السنةِ والجماعةِ, كمَا نقلنَا عن الذهبي في سيرِ أعلامِ النبلاءِ ج10 ص609, ومَا نقلهُ السنةُ والجماعةُ لَم ينقلهُ الشيعةُ إلا بمفهومهِ اليسيرِ جداً قياساً بمَا مطروحٍ عندَ السنةِ, بالرغمِ مِن إيمانِ الشيعةِ بمفهومِ الدجالِ, بل وجعلهِ مِن الحتمياتِ كالسفياني والصيحةِ والخسفِ وظهورِ الشمسِ مِن مغربِهَا, أي هُم لا ينفونَ حديثَ الدجالِ أبداً, ولكنَ لم ينقلوهُ بالكثافةِ والتفصيلِ الذي نقلهُ السنةُ في كتبهِم, أي لا توجدُ فرقةٌ مِن فرقِ الشيعةِ تنفي الخبرَ إطلاقاً كَما تفعلُ بعضُ فرقِ السنةِ كالتيميةِ وذاتِ النفسِ الأموي مع أحاديثِ السفياني !!!
ولا يُمكن إعتبارُ ما أسقطَ الذهبي بهِ أحاديثَ السفياني مِن كتابِ بنِ حمادٍ إطلاقاً, لأنَّنَا على يقينٍ أنَّ أصلَ العجائبِ ليسَ بأصلٍ في التعديلِ والتجريحِ, وإلا لمَا قامتْ لرواياتِ الدجالِ قائمةٌ, لكثافةِ ما قيلَ فيهَا مِن العجائبِ والغرائبِ الخارجاتِ عن الإدراكِ العقلي, كوصفِ حالِ حمارهِ وطولِ خطواتهِ والبعدِ بينَ أذنيهِ, كَمَا وإتيانهُ بالغرائبِ والعجائبِ والمعاجزِ والسحرِ, ناهيكَ عن طولِ حياتهِ وبقاءِ مكوثهِ على طولِ التأريخِ كَما بينتْ حكايةُ الجساسةِ, ومعرفتهُ الكثيرَ مِن الغيبِ والغيبياتِ كمَا نقلهَا أبنُ كثيرِ في البدايةِ والنهايةِ, حيثُ أختبرهُ الرسولُ بأنهُ يجهلُ الغيبَ عندمَا نزلتْ عليهِ سورةُ الدخانِ, فعلمَ الدجالُ بالسورةِ النازلةِ بالرغمِ مِن إختبارِ الرسولِ (صلى اللهُ عليهِ والهِ وصحبهِ وسلمَ) لهُ بعدمِ علمهِ بإسمِ السورةِ !!!
ناهيكَ عِن سخفِ ماذهبَ إلهِ البعضُ مِن أن ما نقلهُ أبنُ حمادٍ مِن صنفِ الآثارِ وليسَ الحديثِ, بالرغمِ مِن إعتمادِهِم وإيانا على الآثارِ والسيرةِ في كلِّ ما يرتبطُ بغيرِ الفقهِ وأصولِ والعقيدةِ, ومَا عدى ذلكَ فنأنسُ بالآثارِ كأُنسِنَا بالحديثِ الصادرِ عن النبي (صلى اللهُ عليهِ والهِ وصحبهِ وسلمَ) كَما في التواريخِ والجرحِ والتعديلِ في علومِ الرجالِ والسيرةِ والقصصِ غيرهَا كثيرِ, ناهيكَ أذا كانتْ تلكَ الآثارُ تطابقُ واقعَ الحالِ ولهَا مِن المؤيداتِ عليهَا الشيءِ الكثيرِ, فلا يصحُ عدمُ الإعتمادِ عليهَا لعضدِهَا بالصحيحِ مِن الأخبارِ, وإلا كيفَ سيجيبُ الحافظُ الذهبي ما نقلهُ سلفهُ الصالحِ في الملاحمِ والفتنِ مِن الآثارِ ممزوجةً بالأخبارِ ؟؟؟!!!
لذا فلا أثرَ لمَا أوردهُ الذهبي في كتابهِ السيرِ مِن مثلبةِ على نقلِ خبرِ السفياني, فضلاً عن نفيهِ أصلِ الروايةِ والحكايةِ, وأعتقدُ أنَّ هذا الردَ كافيٌ على ما سيثيرهُ البعضُ عندَ قراءتهِ الموضوعَ أولاً, لهذا أوردنَا هذا الدليلَ البسيطَ والموجزَ عليهِم لأثباتِ بطلانِ ما قالهُ أمثالُ الحافظِ الذهبي ومَن سارَ بمنهجهِ التيمي الأموي !!!
#إذن ...
نحنُ أمامَ خبرينِ متواترينِ مِن الطرفينِ, حيثُ وردَ مِن طرفِ السنةِ والجماعةِ حديثُ الدجالِ, ومِن طرفِ الشيعةِ حديثُ السفياني, وكلا الخبرينِ لا يُمكن لنَا إنكارِهُمَا أبداً, وبالخصوصِ المذهبِ الشيعي لا يُمكن لهُم ذلكَ, لأنَّ كلا المفهومينِ صحيحانِ عندَهُم, بخلافِ السنةِ فإنَّ مفهومَ الدجالِ هو الصحيحُ والمتواترُ, بخلافِ السفياني الذي يرقى فقط الى الصحةِ عندَ البعضِ مِن غيرِ التيميةِ !!!
وهنا نريدُ أن نحلَ هذهِ الإشكاليةِ التي لَم يلتفتْ إليهَا كلَّ الباحثينَ والمختصينَ مِن الشيعةِ فضلاً عن السنةِ, إلا الأستاُذُ والمعلمُ والفقيهُ والمحققُ الصرخي (دامَ ظلهُ), حيثُ أشارَ الى وحدةِ المفهومِ بينَ اللفظينِ والعنوانينِ, والى أسبابِ عدمِ نقلِ البعضِ الى حديثٍ دونَ الآخرِ, ولكنهُ (دامَ ظلهُ) أشارَ الى وحدةِ المفهومِ في عدةِ مواضعِ في مؤلفاتهِ وخطاباتهِ, بينمَا لا أثرَ الى سببِ عدمِ نقلِ الآخرينَ لمَا نقلهُ الآخرُ إلا في خطاباتهِ وكلماتهِ (دامَ ظلهُ) !!!
#لذا ...
سنحاولُ سدَ هذا الفراغِ الى أن نأتي كلمةُ الفصلِ منهُ (دامَ ظلهُ), بالموافقةِ أو المخالفةِ أو التعديلِ أو الترجيحِ, والى ذلكَ الحينُ يبقى كلامنَا على نحوِ الأطروحةِ المحتملةِ الى حدٍ كبيرٍ إن شاءَ اللهُ تعالى, ويشملهَا التعديلُ والتبديلُ ...
وهنَا يردُ سؤالٌ مهمٌ جداً, مفادهُ :
إنَّ الدلالاتِ اللفظةِ متباينةٌ مادةً وهيئةً تمامَ التباينِ, بحيثُ لا مشتركُ بينهُمَا إلا حرفُ الألفِ, وهذا التبياينُ في الدلالاتِ يستتبعُ تبايناً في المداليلِ لغةً, فهل يُعقلُ أن يكن الدجالُ والسفياني لفظانِ متباينانِ تمامَ التباينِ ولهمَا معنى خارجي واحدٌ ؟؟؟
الجوابُ :
نعم, كَمَا هو الحالُ في المترادفاتِ اللغويةِ التي تدورُ الألفاظُ المتباينةُ والمختلفةُ على معنى واحدٍ فقط, أسواءُ كانَ ذلكَ المعنى معنى ذهني أو خارجي, كقولنَا : السيفُ والصمصامُ والمهندُ والبتارُ والبيضُ وغيرهَا كثيرٌ, فكلُّهَا ألفاظٌ متباينةٌ لمعنى واحدٍ في الخارجِ وهو السيفُ ...
ولكنَ هذا الإتفاقُ عندَ اللغويينَ والأصوليينَ لا يعني أنهُ لا يُوجدُ مِن المشككينَ في هذا الإجماعِ مِن بينَهُم, كما في الروايةِ التي رواهَا السيوطي في كتابهِ المزهرِ في علومِ اللغةِ وأنواعِهَا, والتي قالَ فيهَا : (عن أبي علي الفارسي قال: كنت بمجلس سيف الدولة بحلب، وبالحضرة جماعة من أهل اللغة، وفيهم ابن خالويه، فقال ابن خالويه: أحفظ للسيف خمسين اسما، فابتسم أبوعلي وقال : ما أحفظ له إلا اسما واحدا، وهو السيف .
وقال ابن خالويه : فأين المهند، والصارم وكذا وكذا؟
فقال أبو علي : هذه صفات، وكأن الشيخ لا يفرق بين الاسم والصفة) ...
ولكن سنوافقُ على هذا الإختلافِ ضمنَ هذا المقالِ ولا نثيرَ النقاشَ حولهُ لأنَّهُ خارجَ نطاقِ الموضوعِ, وفي نفسِ الوقتِ أنَّ أبا علي الفارسي وافقَ على أصلِ الترادفِ ولكن بمَؤونةٍ زائدةٍ على المعنى, فالسيفُ إذا كانَ قاطعاً فيُسمى بتاراً, وإذا كانَ في الهندِ مصنعهُ فهو مهندٌ, وهكذا مع الباقياتِ مِن اللفاظِ المتباينةِ, وهذا لا يضرُ كثيراً في المبتغى مِن المقالِ حيثُ يُمكن أن نقولَ أن الدجالَ والسفياني لفظانِ لمعنى واحدٍ ولكن لمؤونةٍ زائدةٍ على المعنى أو المفهومِ ...
#وهنَا ...
هل يُمكن أن يكن اللفظانِ الدجالُ والسفياني لفظينِ مترادفينِ لمعنى اومفهومٍ واحدٍ أو لا, بحيثُ نستطيعُ جعلَ ما جاءتْ بهِ رواياتُ السنةِ والشيعةِ تدورُ رحاهَا على معنى واحدٍ, وهي تلكَ الحادثةُ التي حذرَ مِنهَا رسولُ اللهِ (صلى اللهُ عليهِ والهِ وصحبهِ وسلمَ) ومن فتنتِهَا, ولكن جاءتْ هذهِ الأخبارُ والآثارُ بعدةِ ألفاظٍ وبطرقٍ متباينةٍ لغةً, بعدَ أن أثبتنَا أن المتكلمَ والمتحدثَ هو يختارُ الألفاظَ المناسبةَ لهذهِ المعاني, وليسَ لنَا إلا أن ندرسَ تلكَ العباراتِ والمتونَ وتحتَ قاعدةِ أن ما قالهُ المتحدثُ يريدهُ حقاً, فعندمَا تلاعبَ في الألفاظِ وانتقلَ بينَهَا فإنَّهُ يريدُهَا حقاً, وليسَ للترفِ اللغوي أو البلاغي !!!
لا أعتقدَ أن هنالكَ مانعٌ لغوي مِن الترادفِ اللفظي لغةً أبداً, بشرطٍ أن تسعفنَا المباحثُ التاريخيةُ والروائيةُ وبالخصوصِ تلكَ التي تكلمتْ عن الملاحمِ والفتنِ والتي تكلمتْ عن أشراطِ الساعةِ ...
وأكثرُ ما يُمكنُ للغةِ أن تعترضَ بهِ هو الفرقُ بينَ معنيي الدجالِ والسفياني, بحيثُ أن الأولَ يُشيرُ الى عمليةِ الطَلِي والتمويهِ والتغطيةِ, بينَمَا الثاني أي السفياني فلا يُمكن فهمَهَا إلا نسباً ...
ولكنَ هذا الإعتراضَ أوهنُ مِن بيتِ العنكبوتِ, لأنَّ هاتينِ الصفتينِ يُمكنهُمَا أن يدورا على معنى واحدٍ فقط, حيثُ يكونُ المفهومُ أو المعنى الخارجي يحملُ كلا معنيي اللفظينِ, بحيثُ يكونُ دجالاً عملاً وسفيانياً نسباً ولقباً ...
ومِن ذلكَ لا يمكن أن نتصورَ أبداً أنَّ اللغةَ تأبى علينَا هذا الترادفَ, لأنَّهَا سمحتْ بتعددِ الصفاتِ لمعنى واحدٍ, كمَا في المهندِ والصمصامِ الدالانِ على معنى السيفِ, والليثِ والعباسِ وحيدرا الدالةِ على معنى الأسدِ, فلذا لا نقاشَ للغةِ معنا, بل ولا يصحُ إعتراضُهَا علينَا, ولا تغني المتشبثينَ بالتباينِ في المعاني والفاهيمِ بينَ لفظتي الدجالِ السفياني مِن جوعٍ !!!
ولكن ...
هذهِ دعوى, وعلى مَن إدعى البينةَ, وهذهِ البينةُ يُمكنُ تلخيصُهَا بعدةِ نقاطٍ, بحيثُ تكونُ كلُّ نقطةٍ مِنهَا تامةً بمفردِهَا أو بمجموعِ عددٍ منهَا :
#أولاً :
إنَّ زمانَ النبي محمدٍ (صلى اللهُ عليهِ والهِ وصحبهِ وسلمَ) ملاصقٌ لزمانِ أئمةِ أهلِ البيتِ (عليهِم الصلاةُ والسلامُ), ولَم يمكثُ عصرَ النصِ عندَ الشيعةِ بعدَ الرسولِ سوى (329- 11= 318) سنةٍ تقريباً, وطيلةُ هذهِ الفترةُ كانَ زمنُ النصِ عندَ الشيعةِ زمناً واحداً دونَ إنقطاعٍ أبداً ...
بينمَا إنقطعَ عصرُ النصِ عن أبناءِ السنةِ والجماعةِ فورَ وفاةِ رسولِ اللهِ (صلى اللهُ عليهِ والهِ وصحبهِ وسلمَ), أي أنَّ عصرَ التشريعِ عندَ السنةِ توقفَ قبلَ الشيعةِ بقرابةِ (318) سنةٍ تقريباً ...
وهذهِ الفترةُ الزمنيةُ تقاربُ الفترةِ التي رُفِعَ بهَا عيسى (عليهِ السلامُ) قبلَ رسالةِ الخاتمِ (صلى اللهُ عليهِ والهِ وصحبهِ وسلمَ), والتي تساوي تقريباً على أصحِ الطرقِ وأشهرِهَا 575 سنةٍ تقريباً, فمَا لو أضفنَا لهَا فترةَ الأسباطِ مِن بعدِ عيسى (عليهِ السلامُ), وطرحنَاهَا بمجموعِهَا مِن تاريخِ البعثةِ النبويةِ, سنجدَ التقاربَ الزمني بينَ تلكَ الفترةِ والفترةِ التي مكثهَا الشيعةُ في عصرِ النصِ تقريباً ...
أي أنَّ الفترةَ الزمنيةَ بينَ رفعِ عيسى أبنِ مريمَ (عليهِ السلامُ) وإنهاءِ عصرِ التشريعِ بإنتهاءِ الأسباطِ, وبينَ نبوةِ الخاتمِ (صلى اللهُ عليهِ والهِ وصحبهِ وسلمَ), تساوي تقريباً الفترةَ بينَ وفاةِ النبي (صلى اللهُ عليهِ والهِ وصحبهِ وسلمَ) وبينَ إنتهاءِ النصِ عندَ الشيعةِ بغيبةِ إمامِهِم الثاني عشرِ المهدي (عليهِ السلامُ) ...
وبعدَ إن رأينَا مقدارَ الغموضِ التي إكنتفتْ بهَا أخبارُ الدجالِ وعلاماتِ آخرِ الزمانِ بينَ نبوةِ عيسى (عليهِ السلامُ), والتي قابلهَا الوضحُ والتبينُ والإفصاحُ أكثرَ في زمن الخاتمِ (صلى اللهُ عليهِ والهِ وصحبهِ وسلمَ), بالرغمِ أن المدةَ الزمنيةَ التي بينَهُمَا تقاربُ الخمسةَ مائةِ والخمسَ والسبعونَ سنةٍ, أي بالرغمِ مِن قصرِ المسافةِ الزمنيةِ بينَ النبوتينِ رأينَا الكثيرَ مِن التغيرِ على مستوى اللفظِ مِن حيثُ الوضوحِ والتبيانِ وسهولةِ الفهمِ والتطبيقِ في الخارجِ ...
لذا كُنَا نرى الكثيرَ مِن الصحابةِ كيفَ كانوا يبحثونَ عن المصاديقِ الخارجيةِ للدجالِ حتى في داخلِ مكةَ المكرمةِ التي لا يدخلُهَا الدجالُ بإخبارِ الرسولِ الكريمِ (عليهِ السلامُ), وهذا البحثُ مِن قبلِهِم لم يكن عفوياً طبعاً, بل لإخبارِهِم إمكانيةَ خروجِهِ وهو بينَهُم بأبي وأمي يا رسولَ اللهِ !!!
إذن بالرغمِ مِن قصرِ الفترةِ الزمنيةِ بينَ النبوتينِ كيفَ رأينَا زالَ الكثيرُ مِنْ الغموضِ في الرواياتِ والأحاديثِ الشريفةِ, فكذلكَ الحالُ على مستوى المذهبِ الشيعي, فإنَّ عصرَ النصِ إستمرَ عندَهُم الى نفسِ الفترةِ الزمنيةِ بينَ نبوةِ النبي الخاتمِ وعيسى أبنِ مريمَ (عليهِما الصلاةُ والسلامُ), وهذهِ الفترةُ التشريعيةُ كفيلةٌ برفعِ الكثيرِ مِن الغموضِ المكتنفِ للرواياتِ والأحاديثِ الشريفةِ التي وصلتْ المذهبَ السني !!!
ولهذا لَم نرَ في المذهبِ الشيعي أنَّ أحدَ أصحابِ أهلِ البيتِ (عليهِم الصلاةُ والسلامُ) كانَ يبحثُ ويطبقُ مصداقَ الدجالِ في الواقعِ الخارجي, كمَا كانَ أصحابُ رسولِ اللهِ (صلى اللهُ عليهِ والهِ وصحبهِ وسلمَ) يفعلونَ, بل أنَّ التطبيقَ السائدُ آنذاكَ كانَ حولَ مصداقِ ومفهومِ السفياني !!!
#ثانياً :
إنَّ رسولَ اللهِ (صلى اللهُ عليهِ والهِ وصحبهِ وسلمَ) كانَ القائدَ الأعلى لدولةِ العدلِ الإلهي الصغرى, وجسدَ بأبي هو وأمي إمكانيةَ قيامِهَا عملياً ولو بعدَ حينٍ, فوقوعُ هذهِ الدولةِ صارَ ممكناً بنظرِ الجميعِ لوقوعِهَا بينَ ظهرانِهِم في تلكَ الفترةِ الوجيزةِ التي عاشهَا (صلى اللهُ عليهِ والهِ وصحبهِ وسلمَ) ...
ولذا مِن مقتضياتِ هذهِ الدولةِ الحفاظُ على صبغتِهَا العامةِ, وتجاهلُ الكثيرِ مِن جزئياتِ نفاقِهَا وإنحرافِهَا, لأنَّ هذا الإنحرافَ المتواجدُ في وقتهِ لم يصلْ الى أي درجةٍ يتعارضُ وجودهُ مع تلكَ الدولةِ, وبالتالي كانتْ بنيةُ الدولةِ بنيةً متكاملةً الى أقصى حدٍ ممكنٍ ...
فيُمكن أن يكن إثارةُ عنوانِ الدجالِ بعنوانِ السفياني لا يصبُ بمصلحةِ الدولةِ العليا, ولا يتناسبُ مع منظومتِهَا المتكاملةِ التي شيدَهَا بنفسهِ (عليهِ الصلاةُ والسلامُ) وبدماءِ الشهداءِ (عليهِم الصلاةُ والسلامُ) وبعرقِ المؤمنينَ مِن المهاجرينَ والأنصارِ, خصوصاً ما لو أخذنَا بنظرِ الإعتبارِ أنَّ أبا سفيانَ وآلَ بيتهِ كانوا مِن الطلقاءِ الذينَ عفى عنهُم رسولُ اللهِ (صلى اللهُ عليهِ والهِ وصحبهِ وسلمَ), بالرغمِ مِن إستحقاقِهِم القتلِ والتنكيلِ والقصاصِ بحسبِ ظاهرِ القرانِ الكريمِ, ولكنَ السلطانَ الذي وهبهُ اللهُ تعالى الى أولياءِ الدمِ, وهُم مَن رضوا بالعفو عن رأسِ النفاقِ والشقاقِ والفتنةِ وقتهَا, حيثُ قالَ تعالى : {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ }المائدة 55, فبمقتضى هذهِ الآيةِ الكريمةِ جازَ للرسولِ (عليهِ السلامُ) أن يسرحَ ويعفو عن آلِ أبي سفيانَ بمَا يملكُ مِن ولايةِ على سائرِ المسلمينَ !!!
إذن
إذا إقتضتْ الضرورةُ السكوتَ عِن جرائمِ القتلِ والدمارِ والسرقةِ وإعلانِ الحربِ للهِ وللرسولِ (عليهِ السلامُ) ولسائرِ المؤمنينَ التي قامَ بهَا أبو سفيانَ وأهلُ بيتهِ, فنفسُ الضرورةِ إقتضتْ أن يُسكتَ عن إثارةِ عنوانِ السفياني بدلاً مِن الدجالِ, مَع أنَّ عنوانَ التبليغِ لَم يُخْتَرقْ مِن قبلِ الهادي الأمينِ (عليهِ السلامُ), لأنَّ التبليغَ يستمرُ بعدهُ الى مَن يأتونَ بعدهُ مِن الأسباطِ, ناهيكَ أن الوظيفةَ العمليةَ لهُ بالتبليغِ قدَ أتمهَا بذكرِ صفةِ السفياني بوصفهِ الدجالِ, وبِشهادةِ القرانِ الكريمِ لهُ بإتماميةِ التبليغِ, حيثُ قالَ تعالى :{ .... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ...} المائدة 3 ...
#ثالثاً :
فإن قلتُم : إذن لمَاذا جاءتْ الرواياتُ مِن قبلِ أئمةِ أهلِ البيتِ (عليهِم الصلاةُ والسلامُ) بعدَ ذلكَ بذكرِ عنوانِ السفياني بدلاً مِن الدجالِ وأكدوا عليهِ, إذا كانَ الرسولُ (صلى اللهُ عليهِ والهِ وصحبهِ وسلمَ) قدَ سكتْ لأجلِ المصلحةِ العامةِ عن إثارةِ عنوانِ السفياني بدلاً مِن الدجالِ ؟!!
قلنَا : نعم, إنَّ الدولةَ التي بناهَا رسولُ اللهِ (صلى اللهُ عليهِ والهِ وصحبهِ وسلمَ) وبجهادهِ وجهادِ أصحابهِ (عليهِم الصلاةُ والسلامُ) كانتْ متكاملةً الى أقصى حدٍ يُمكن خلالهُ السكوتُ على مِثلِ نفاقِ آلِ أبي سفيانَ, وهذا ما جعلَ الرسولَ (صلى اللهُ عليهِ والهِ وصحبهِ وسلمَ) يطلقُ رقابَهُم مِن القصاصِ العادلِ, لأنَّ وجودَهُم لايُمكن أن يُثيرَ أيَّ جلبةٍ معتدٍ بهَا, مع أنَّ مصلحةَ تركِ الظالمينَ أرجحُ مِن مصلحةِ القتلِ والقصاصِ, وهو أبلغُ درسٍ أعطاهُ رسولُ اللهِ (صلى اللهُ عليهِ والهِ وصحبهِ وسلمَ) الى حكامِ المسلمينَ عامةً, بأنَّ العفو والتغاضي عن جرائمِ الآخرينَ في حالِ التمكنِ, يُمكن أن يجلبَ الخيرَ على بلادِ المسلمينَ, وأمَا سياسةُ القتلِ والتعذيبِ والسجنِ لا يُمكن أن تُنتجَ دولةً عادلةً أبداً !!!
ولكن بعدَ إنتهاءِ عدالةِ هذهِ الدولةِ فورَ وفاتهِ (عليهِ السلامُ), وإستفحالِ النفاقِ والشقاقِ مِن هذا البيتِ خصوصاً, جازَ لأئمةِ الهدى (عليهِم الصلاةُ والسلامُ) أن يُصرحوا بصفةٍ أخرى مِن صفاتِ الدجالِ وهي السفينةِ والسفيانيةِ, أسواءُ كانَ ذلكَ العنوانُ نسباً أو منهجاً وفكراً, لأنَّ المصلحةَ العامةَ لهذا السكوتِ قد إنتهتْ وإنتفتْ بعدَ إستحكامِ سطوتِهِم وسلطتِهِم وأذاهم على سائرِ المسلمينَ مِن الصحابةِ والتابعينَ وتابعي التابعينَ, بل صارَ التشهيرُ بهِم وبمنهِجهِم واجباً عليهِم (عليهِم الصلاةُ والسلامُ) ...
#رابعاً :
يمكنُ القولَ على نحو القاعدةِ, وهي التي أسسنَا لهَا على طوالِ عدةِ حلقاتٍ, وهي : إنَّ المعصومَ (عليهِ السلامُ) كَمَا أنَّهُ ملزمٌ في تبليغِ التشريعِ الموكلِ إليهِ تبليغهُ, كذا ملزمٌ أيضاً أن لا يدلي بهِ إلا بطريقةٍ مناسبةٍ تضمنُ بقاءهُ الى فترةٍ أطولٍ مِن الزمنِ, وأفضلُ طريقةٍ لبقاءِ التكليفِ والإرشادِ هو إستعمالُ أساليبِ البلاغةِ اللغويةِ كالتوريةِ والكنايةِ, بحيثُ يستعملُ المعصومُ (عليهِ السلامُ) أيَّ طريقةٍ لغويةٍ وتحتَ أيِّ بنيةٍ بلاغيةٍ يُمكن أن يجعلَ التكليفَ والإرشادَ والنصحَ ساري المفعولِ على طولِ خطِ النقلِ والتداولِ والتناقلِ ...
ومِن هذهِ الطرقِ التي أعتنَا بهَا رسولُ اللهِ (صلى اللهُ عليهِ والهِ وصحبهِ وسلمَ) هي الكنايةُ التي وصفَ بهَا حالَ وقدراتَ مفهومِ ومصداقِ الدجالِ, وتحتَ هذهِ البنيةِ البلاغيةِ أستطاعَ رسولُ اللهِ (صلى اللهُ عليهِ والهِ وصحبهِ وسلمَ) أنَّ يحفظَ عمومَ الإسلامِ مِن سطوةِ وسلطةِ بني أميةِ والسفيانيينَ, لعلمهِ المسبقِ بأنَّ مقاليدَ الحكمِ الإسلامي ستؤولُ إليهِم بعدَ فترةٍ مِن وفاتهِ بأبي وأمي !!!
لذا كانَ مِن المناسبِ جداً أن يُخفي حقيقةَ السفياني الى الرواةِ الذينَ يأتونَ مِن بعدهِ, والذينَ سيتكلمونَ عن حقيقةِ الدجالِ الذي حذرَ الرسولُ (صلى اللهُ عليهِ والهِ وصحبهِ وسلمَ) منهُ الى حدِ التأكيدِ الشديدِ والعجيبِ ...
ولذا مَا لو فرضنَا أنَّ رسولَ اللهِ (صلى اللهُ عليهِ والهِ وصحبهِ وسلمَ) قَد تحدثَ بحديثِ السفياني منذُ بدايةِ نبوتهِ الى حينِ وفاتهِ (عليهِ السلامُ), ماذا يتوقعُ الناسَ أن يبلغَ منهَا الى هذا الزمنِ, وهُم مَن إستطاعَ أن ينكروا ويزيفوا ويضعوا أحاديثاً في زمنِ وجودِ رواتِهَا المباشرينَ مِن الصحابةِ (رضى اللهُ عنهُم) , بحيثُ إضطرَ الكثيرُ مِنهُم دثرهَا وإهمالَهَا وعدمَ روايتِهَا, كمَا حصلَ مع أبي هريرةَ (رضى اللهُ عنه), حيثُ لَم يُحدثْ إلا بوعاءٍ واحدٍ ممَا سمعهُ مِن رسولِ اللهِ (صلى اللهُ عليهِ والهِ وصحبهِ وسلمَ) !!!
لذا طبقاً لقاعدةِ وجوبِ التبليغِ والحفاظِ, إلتزمَ الرسولُ (عليهِ السلامُ) بعدمِ التصريحِ بالإسمِ أو الصفةِ التي كَشفهَا أهلُ بيتهِ (عليهِم الصلاةُ والسلامُ) بعدَ ذلكَ, ناهيكَ أن دواعي عدمِ الروايةِ لمتونِ الدجالِ غيرُ متوفرةٍ أبداً, لأنَّ الكلَّ قد ركزَ على المظهرِ الخارجي للدجالِ فقط, أي أنَّهُم قد فهموا مِن اللفظِ دلالتهُ المطابقةَ التامةَ, ولم يلتفتوا الى الإسلوبِ البلاغي مِن ورائهِ, وهذا ماجعلنَا نقولُ بالكنايةِ أو التوريةِ البلاغيةِ ...
وكَمَا أنَّ دواعي إهمالِ ودفنِ وتغييبِ ومحاربةِ متونِ الدجالِ غيرُ موجودةٍ, وهذا ما حافظَ على بقائِهَا الى هذهِ الفترةِ, بل أنَّ الكثيرَ مِنهَا طابقَ الدياناتِ الأخرى والذينَ طالمَا حاولوا طمسَ الكثيرِ مِن الآثارِ التي تعارضُ بناةِ أفكارهِم, أو خلقَ ما ينزلُهَا الى أبوابِ التعارضِ والإختيارِ والترجيحِ,
كذلكَ فإنَّ دواعي بقاءِ متونِ السفياني جاءتْ بنفسِ القوةِ, بعدَ أن تجرأ آلُ أبي سفيانَ على مقدساتِ المسلمينَ, مِن هدمِ الكعبةِ وحرقهَا وإباحةِ حرمتِهَا مع حرمةِ قبرِ الرسولِ (صلى اللهُ عليهِ والهِ وصحبهِ وسلمَ) ومَا حصلَ في المدينةِ, كُلِّهَا بعدَ أن إرتكبوا أبشعَ جريمةٍ يُمكن أن تُرتكبُ على طولِ الخطِ مِن خلالِ قتلهِمِ أبي عبدِ اللهِ الحسينِ بنِ علي (عليهِما الصلاةُ والسلامُ)
#خامساً :
ولو تتبعنا الرواياتِ مِن حيثُ العددِ والمبالغةِ في الكشفِ والشرحِ والتفصيلِ والإسهابِ فيهِمَا, لوجدناَ أن ماقالهُ الصادقانَ (عليهِمَا الصلاةُ والسلامُ) في هذهِ المنهجيةِ والمفهومِ العامِ أو الشخصِ والمعنى الخارجي, مضافاً الى ما قالهُ الأئمةُ مِن بعدِهِم (عليهِم الصلاةُ والسلامُ), الى مرحلةِ نسيانِ ما يُعرفُ بعنوانِ الدجالِ أو مَا يشيرُ إليهِ كَما رأينَا ذلكَ واضحاً جلياً ونصاً صريحاً في آخرِ توقيعٍ خرجَ لإمامِنَا صاحبِ العصرِ والزمانِ الحجةِ إبنِ الحسنِ (عجلَ اللهُ تعالى فرجهُ الشريفَ), حيثُ قالَ روحي لترابِ مقدمِهِ الفداءُ لسفيرهِ الرابعِ أبي الحسنِ علي بنِ محمدٍ السمري :
(بسم الله الرحمن الرحيم يا علي بن محمد السمري أعظم الله أجر إخوانك فيك فأنت ميت ما بينك وبين ستة أيام فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك فقد وقعت الغيبة التامة فلا ظهور إلا بعد إذن الله تعالى ذكره وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جورا وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة ألا فمن ادعى المشاهدة قبل #خروج_السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) ...
وربَّمَا يُعزى هذا التجاهلُ الملحوظُ لعنوانِ الدجالِ والتركيزِ على عنوانِ السفياني, نتيجةً لمبالغةِ آلِ أبي سفيانَ ودولتِهِم الملعونةِ في القرانِ الكريمِ في قتلِ والدمارِ والإنتهاكِ الى أبعدِ صورهِ وأشكالهِ, والتي لا يُمكن توقعُهَا أن تخرجُ مِن مسلمٍ أبداً إلا مِنهُم ومِن أمثالِهِم ...
حيثُ جروا المسلمينَ الى أعتى الحروبِ الداخليةِ وأوغلوا فيهِم القتلِ, حتى قضى السفيانيونَ والمروانيونَ على ثلثي الصحابةِ وحملةِ القرانِ الكريمِ, بل وقتلوا سبطَ الرسولِ وفرخهُ وريحانتهُ الحسينَ بنَ علي (عليهِما الصلاةُ والسلامُ), وأباحوا حرمَ رسولِ اللهِ (صلى اللهُ عليهِ والهِ وصحبهِ وسلمَ) حتى راثتْ وبالتْ على قبرهِ خيولُهُم وأنعامُهُم, وأباحوا حرماتِ المدينةِ ثلاثةَ أيامٍ بلياليهَا أمولاً وأعراضاً, وجلَّ مَن قُتِلَ مِن الصحابةِ والتابعينَ, ناهيكَ عن هَدْمِ الكعبةِ المشرفةِ وحرقِهَا وإزالةِ الحجرِ الأسودِ مِن بنائِهَا !!!
فبعدَ أتضحَ للمسلمينَ عامةً كفرَ وإنحرافَ ودجلَ ونفاقَ آلَ أبي سفيانَ وحكومتِهِم الطاغوتيةَ, بعدَ أن رأَى المسلمونَ ما لا يخطرُ على بالٍ, ولا يُفعلُ بجميعِ الأحوالِ, كانتْ الفرصةُ مؤاتيةً الى الإرتقاءِ في الطرحِ والتوضيحِ في مفهومِ الدجالِ الذي أخبرَ عن شرهِ الأنبياءُ والمرسلونَ عليهِم وعلى نبينَا الصلاةُ والسلامُ, لذا أفصحَ أئمةُ أهلِ البيتِ عن صفةٍ أخرى, وبالغوا في وصفِهَا بمَا يتناسبُ مع الوظيفةِ العمليةِ المناطةِ بهِم كمُشرعةٍ, ولو جاءَ هذا الإفصاحُ قبلَ أن يرَ الناسُ عظيمَ الخطبِ ومهولَ الأمرِ ممَا قامَ بهِ آلُ أبي سفيانٍ, لمَا تقبلوا هذا الخطابَ وهذهِ الصفةَ ...
ولا ننسَ كمَا بينَا سابقاً, فإنَّ المعصومينَ (عليهِم الصلاةُ والسلامُ), كَمَا هُم معنيونَ في إصالِ التبليغِ كاملاً, كذلكَ هُم معنيونَ أن يختاروا الوقتَ والإسلوبَ المناسبَ لطرحِ مفاهِمِهِم, لتبقَ الى آخرِ الزمانِ حيثُ القطفُ الحقيقي لهذهِ الثمارِ, حيثُ قالَ تعالى في كتابهِ العزيزِ الحكيمِ في سورةِ إبراهيم :
(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء{24} تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ{25}) ...
#سادساً :
لو قارنَا بينَ القراءاتِ لرواياتِ الواردةِ في ذكرِ السفياني وتلكَ التي تذكرِ الدجالِ, لوجدنَا أن الكثيرَ مِنهَا يناسبُ ما صبونَا إليهِ مِن وحدةِ المفهومِ أو المصداقِ الخارجي ...
وبالتأكيدِ عندمَا نؤمنُ بعدَ ذلكَ في هذا الطرحِ ونقبلُ بهَا كأطروحةٍ ممكنةٍ, سوفَ نجعلَ الرواياتِ الواردةَ في كليهِمَا روايةً واحدةً, ولكن تتعددُ في في طرحِ ما يناسبُ المقامِ والصفةِ والإسمِ ...
فمَثلاً مِن الصعوبةِ أن نذكرةَ في المقامِ أنَّ للسفياني حماراً خطتَهُ ميلاً, لأنَّ هذا سيأتي بالصورةِ مشوهةٍ للعقلِ وبشكلٍ كبيرٍ جداً, لأنَّ المتبادرِ الى الذهنِ أن السفياني هو الأقربُ الى هذهِ الفئةِ الباغيةِ, فكيفَ يُمكن أن يَركبَ حماراً بهذهِ المواصفاتِ العجيبةِ والخياليةِ ؟!!!
وبالمقابلِ مَا لو ذكرنَا أن الدجالِ لهُ مِن الغرائبِ والعجائبِ ما تؤهلهُ الى القولِ بربوبيةِ نفسهِ والدعوةِ إليهَا, فبالتأكيدِ أنَّ مفهومَ الدجالِ وغرابةَ هذهِ الصفةِ تخبرُ طيَّاً بإمكانيةِ ذلكَ, لأنَّ الدجَّلَ والدجالَ يُشيرانِ الى تمامِ معنى التمويهِ والسحرِ والشعوذةِ بحصَصِهَا كافةً, لذا فليسَ مِن المستقبحِ عقلاً عندَ السامعِ أن تُنسبَ لهُ هذهِ الخوارقُ والمعاجزِ سحراً, بل إنَّ نسبتَهَا ستكونُ أقلُ مؤنةً مِمَا لو نسبتْ الى عنوانِ السفياني !!!
لذا فإنَّنَا نلاحظُ أنَّ السفياني سيكونُ الأكثرُ مقبوليةً وإستيعاباً مِن قبلِ السامعينَ, بل أنَّ المُتتبعِ لرواياتهِ سوفَ لا يرى أنَّهَا ترقى الى الواحدِ بالألفِ مِمَا نُسِبَ الى الدجالِ نفسهِ, وهذا بحدِ ذاتهِ يكونُ رداً قاصماً للظهرِ لمَا أوردهُ الحافظُ الذهبي في كتابهِ السيرِ, حولَ أنَّ ما نُسِبَ الى السفياني مِن خوارقِ لا يقبلُ بهَا العقلُ, وبالتالي رفضُهَا أولى !!!
وبالنتيجةِ فإنَّ الإختلافِ في متونِ رواياتِ السفياني مع متونِ ما جاءَ في الدجالِ, لا يعني تعارضَهُمَا في الخارجِ, لأنَّ الإختلافِ جاءَ مِن بابِ ما يُناسبُ صفةَ كليهِمَا وكلٌّ على حدةٍ, فمَا جاءَ في السفياني ما يناسبُ السفياني ومَا جاءَ في الدجالِ ما يُناسبُ الدجالَ ...
#سابعاً :
ولو تابعنَا الرواياتِ التي تذكرَ السفياني والدجالَ, سوفَ نلاحظُ الكثيرَ مِن المشتركاتِ بينَهُمَا, بل أنَّ المشتراكاتِ لا يُمكن أن تجعلنَا أن نتصورَ غيرَ أن الطرفينِ والمفهومينِ والمصداقينِ طرفاً ومفهومًا ومصداقاً واحداً, ومَا إمتازَ بهِ كلٍّ مِن هُمَا لا يعدو كونَهُ وصفاً وصفةً وحالةً لمَا تميزتْ بهِ صفةُ السفياني عن الدجالِ, لأنَّ الصفتينِ لفردٍ واحدٍ, ولكلِّ صفةٍ مِنهُمَا مقوماتُهَا التي يُمكن أن تجتمعَ في نفسِ الفردِ ...
فمثلاً :
1- إنَّ السفياني والدجالَ لم يعبدا اللهَ تعالى قط ...
وعدمُ العبوديةِ لا يُمكن أن يُفهُم إلا كفراً وجحوداً بالخالقِ حقاً ...
- حيثُ جاءَ في السفياني, في كتابِ المروزي صــــ178, عن كعبٍ قالَ : ( يهزمُ السفياني الجماعةَ مرتينِ .... ثم يثورُ مِن بيتِ تلكَ المرأةِ ثائرٌ بعدَ أعوامٍ يُدعى -عبدُ اللهِ- ماعبدَ اللهَ تعالى قط ... وهو أبنُ آكلةِ الأكبادِ, يأتي في دمشقَ فيجلسُ على منبرِهَا) ...
في غيبةِ النعماني صــ306, عن أبي جعفرٍ الباقرِ (عليهِ السلامُ) قالَ : (السفياني أحمرٌ أشقرٌ أزرقٌ لم يعبدْ اللهَ قط ...)
- وجاءَ في الدجالِ, في المصنفِ للصنعاني صــ394, قالَ الرسولُ محمدٍ (صلى اللهُ عليهِ والهِ وصحبهِ وسلمَ) : (... مكتوبٌ بينَ عينيهِ -الدجال- كافر يقرأهُ كلُّ مؤمنٌ, كاتبٌ وأمي ...) ...
2- إنَّ السفياني والدجالَ يدعيانِ الربوبيةَ :
- حيثُ جاءَ في السفياني, في البحارِ جــ53 صــ8, وفي مختصرِ البصائرِ صــ183, عن الإمامِ الصادقِ (عليهِ السلامُ) : (... فإذا طلعتْ الشمسُ للغروبِ صرخَ صارخٌ مِن مغربِهَا, يامعشرَ الخلائقِ قد ظهرَ ربُكُم بوادي اليابس مِن ارضِ فلسطينَ ...) ...
- وجاءَ في الدجالِ, في سننِ أبنِ ماجةٍ جــ2 صــ 1360, عن الرسولِ محمدٍ (صلى اللهُ عليهِ والهِ وصحبهِ وسلمَ) قالَ : (... أن يبدأ فيقولُ : أنا نبي ولا نبي بعدي, ثمَ يثني فيقول : أنا ربكُم ...) ...
3- السفياني والدجالُ كلاهُمَا أعورانِ :
- حيثُ جاءَ في السفياني, في الخرائجِ للراوندي صــ115, عن أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلامُ) قالَ : (يخرجُ أبنُ آكلةِ الأكبادِ مِن الوادي اليابسِ, وهو رجلٌ ربعةٌ, وحشُ الوجهِ, ضخمُ الهامةِ, بوجههِ أثرُ جدري, إذا رأيتهُ حسبتهُ أعور) ...
وفي الفتنِ للمروزي صــ166, عن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ قالَ : (... ويتحركُ بإليا رجلٌ أعورُ العينِ, ثمَ يكونُ الخسفُ ...) ...
وفي الفتنِ للمروزي صــ166, عن علي (عليهِ السلامُ) قالَ : (رجلٌ ضخمُ الهامةِ وفي وجههِ أثرُ جدري وبعينهِ نكتةٌ بيضاء, يخرجُ مِن ناحيةِ مدينةِ دمشق في واد يقالُ لهُ وادي اليابس) ...
- وجاءَ في الدجالِ, في المستدركِ للحاكمِ صــ330, عن الرسولِ (صلى اللهُ عليهِ والهِ وصحبهِ وسلمَ) : (... واللهِ لا تقومُ الساعةُ حتى يخرجُ ثلاثونَ كذاباً آخرهُم الأعورُ الدجالُ ممسوحُ العينِ اليسرى ...) ...
4- لا يرى السفياني والدجالُ مكةَ والمدينةَ :
- حيثُ جاءَ في السفياني, في غيبةِ النعماني صــ306, عن أبي جعفرٍ الباقرِ (عليهِ السلامُ) قالَ : (السفياني أحمرٌ أشقرٌ أزرقٌ لم يعبدْ اللهَ قط ولم يرَ مكةَ ولا المدينةَ قط ...) ...
- وجاءَ في الدجالِ, في الأمالي للطوسي صــ382, عن رسولِ اللهِ (صلى اللهُ عليهِ والهِ وصحبهِ وسلمَ) قالَ : (الدجالُ لا يدخلُ مكةَ ولا المدينةَ, على كلِّ نقبٍ مِن أنقابِهَا ملكٌ شاهر سيفهُ ...) ...
5- تظهرُ الكنوزُ للسفياني والدجالِ :
- في دلائلِ الأمامةِ للطبري صــ473, عن سلمانَ الفارسي قالَ: (خطبنَا أميرُ المؤمنينَ (عليهِ السلامُ) ..... رجلٌ صعلوكٌ ليسَ مِن أبناءِ الملوكِ, تظهرُ لهُ المعادنُ والذهبُ, يساعدهُ العجمُ والعربُ ...) ...
- وجاءَ في الدجالِ, في مسندِ أحمدٍ جــ4 صــ181, عن الرسولِ محمدٍ (صلى اللهُ عليهِ والهِ وصحبهِ وسلمَ) قالَ : (... زيمرُ بالحي فيدعوهُم فيردوا عليهِ, فتتبعهُ أموالُهُم, فيصبحوا مملحينَ ليسَ لهُم مِن أموالِهِم شيءٌ, ويمرُ بالخربةِ فيقولُ لهَا أخرجي كنوزك, فتتبعهُ كنوزُهَا كيعاسيبِ النحلِ ...) ...
6- الدليلُ الخارجي السياسي العسكري :
إنَّ المتابعَ لمجرياتِ الأحداثِ السياسيةِ والعسكريةِ, ومعَ حصولِ الإطمئنانِ والرجحانِ مِن خلالِ متابعةِ مستجداتِ الأحداثِ النفسيةِ والروحيةِ والفكريةِ والكونيةِ, كلُّهَا تُنبؤنَا إنَّ ساعةَ هلاكِ السفياني والسفيانيينَ والدجالِ والدجالينَ, بل وهلاكِ كلِّ ظالمٍ على وجهِ الأرضِ إن شاءَ اللهُ تعالى, مع تحققِ العدلِ الإلهي بقيادةِ قائمِ الِ محمدٍ (عجلَ اللهُ تعالى فرجهُ الشريفَ), باتتْ على الأبوابِ إن شاءَ اللهُ تعالى مجدهُ وعلا شأنهُ,
وكلُّ هذا يَزيدُ أنَّ لا قوى في الخارجِ ولا سطوةَ في الواقعِ يُمكن أن تتغلبَ على الجانبِ الأميركي, حتى لو إجتمعتْ كلُّ القوى العظمى مِن الشرقِ والغربِ والشمالِ والجنوبِ, فإنَّ بيضةَ القبانِ تبقى للجانبِ الأميركي ...
وهذا ما يجعلنَا نفهَمَ أن نفسَ الرواياتِ التي تكلمتْ عن السفياني والسفيانيينَ المرافقينَ لهُ والسائرينَ بركبهِ والمتقدمينَ في خطوطهِ الأماميةِ, لا يُمكن أن تكنَ إلا تلكَ القوى العالميةَ المسيطرةَ على المشهدِ العسكري والسياسي والإقتصادي اليومِ ...
كما ولا يُمكن أن نفترضَ أن السفياني الموعودَ الذي أخبرَ بهِ النبي الكريمُ محمدٌ (صلى اللهُ عليهِ والهِ وصحبهِ وسلمَ), نفسَ هؤلاءِ الأوباشِ العبيدِ الخنثِ والجبناءِ التابعينَ للشرقِ والغربِ مِن حكامِ العربِ والمسلمينَ, أسواءُ كانوا مِن الشيعِة أو السنةِ, فهُم أحقرُ مِن أن يرفضَ طلباً يُوجهُ إليهِم بالمثولِ للحضورِ الى الولاياتِ المتحدةِ الأميركيةِ في أيِّ تأريخٍ يحددُ لهُ, بل الكلُّ ينتظرُ كالكلبِ على قارعةِ الطريقِ الأميركيةِ أن يلقِ إليهِ الفتاتِ الفتاتِ مِن خيراتِ أرضهِ وشعبهِ المسلوبةِ بسببِ عمالتهِ للشرقِ والغربِ !!!
فكلُّ ذلكَ يُأكدُ أن السفياني الذي يظهرُ على جيوشِ الرومِ والتركِ الخزرِ والعربِ والعجمِ الفرسِ وراياتِ الصفرِ والسودِ, الذي يحصدَهُم حصدَ الزرعِ, والذي لا تُردُ لهُ رايةٌ, والرعبُ يسيرُ أمامَهَا عشراتِ الأميالِ, لا يُمكن أن يكن إلا ذلكَ الدجالُ الذي تكلمتْ عنهُ الرواياتُ بقدراتهِ الخارقةِ, والتي تُمكنهُ مِن السيطرةِ على العالمِ بأسرهِ, حتى لا تبقى قوى في العالمِ تُنهي جبروتهُ وعظمتهُ إلا العنايةُ الإلهيةُ, مِن خسفٍ وصيحةٍ وعقابٍ وعذابٍ مِن السماءِ والأرضِ ...
ومَا يُؤيدُ هذهِ القوةَ والعظمةَ للسفياني مَا جاءَ في :
- فيضُ القديرِ للمناوي جــ4 صــ167, قال : (يخرجُ مِن بلادِ الجزيرةِ رجلٌ يقالُ لهُ الأصهبُ, ويخرجُ عليهِ مِن الشامِ رجلٌ يقالُ لهُ جرهم, ثمَ يخرجُ القحطاني رجلٌ بأرضِ اليمنِ, فبينمَا هؤلاءِ الثلاثة إذا هم بالسفياني وقد خرجَ مِن غوطةِ دمشق .... يسيرُ الى العراقِ بجيشٍ عظيمٍ ... ثمَ ينفذُ جيشاً الى خراسانَ وجيشاً الى الروم, فيقتلونَ العبادَ ويظهرونَ الفسادَ ... ثم يدخلُ مصرَ والشامَ والكوفةَ وبغدادَ وخراسانَ حتى يدخلَ مرو ...) ...
- الفتنُ للمروزي صــ184, عن جابرٍ عن أبي جعفرٍ (عليهِ السلامُ) قالَ : (إذا ظهرَ السفياني على الأبقعِ وعلى المنصورِ والكندي والتركِ والرومِ, خرجَ وصارَ الى العراقِ ...) ...
- الفتنُ للمروزي صــ184, عن أرطأة قالَ : (إذا إجتمعَ التركُ والرومُ بقريةٍ بدمشقَ ....ظهرَ السفياني بجيشهِ عليهِم فيقتلَ التركَ والرومَ بقرقيسا حتى تشبعُ سباعُ الأرضِ من لحومِهِم ...) ...
مواضيع ومقالات مشابهة