النتائج الكارثية شاهد على سقوط الفتوى الطائفية، جرائم تكريت أنموذجا.
الإسلام نظامٌ شامل وكامل لاعوج فيه ولا خلل، شرَّع من المناهج والقوانين ما تُغَطِّي كل جوانب الحياة وتسدُّ احتياجات البشرية وتنظم حياة الإنسان والرُقي به نحو السعادة والكمال، وبقدر ما تكون الأمة على مستوى عالً من الفهم والإدراك والتطبيق لمفاهيمه ومبادئه وأحكامه تكون خيرُ أُمة أخرجت للناس...
من المعلوم إن عملية استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها المقررة هي وظيفة المرجع الديني الأولية، ومنها ينطلق لممارسة دوره في توجيه الفرد والمجتمع وتنظيم حياته والأخذ بيده إلى بر الأمان والسعادة في الدارين، وكلما كان المرجع أكثر قدرة على فهم الموارد الشرعية والإحاطة بها واستيعابها نظريا وتطبيقيا،كان الأقرب إلى إصابة الواقع الإلهي واستخراج الحكم الشرعي وتحديد المواقف، وهذا بدوره ينعكس إيجابا على قيادته وإدارته وقراءته وتشخيصه وتحليله للواقع وعلى ضوء ذلك يضع الحلول ويعالج المشاكل، فالجانب العلمي هو مصدر قوة المرجعية. وبخلاف ذلك فإنها تفشل في مسؤوليتها القيادية والتوجيهية وتكون قراءتها للواقع غير صائبة وتشخيصها سقيم وحلولها غير ناجعة وتتحول إلى أداة سهلة الامتطاء والتسييس والتوظيف، تُمَرَّرُ عن طريقها الأجندات والمخططات الشيطانية.
من هنا ننطلق لتسليط الضوء على أهم وابرز واخطر المواقف التي تبنتها المرجعية منذ أن دخلت في المعترك السياسي يتمثل في إطلاق فتوى الجهاد الكفائي الذي هو خارج عن أدبياتها، لأنها تعتقد وفقا لمنظورها الفقهي انه مُعطَّل في زمن الغيبة، والكلام في محطات منها:
المحطة الأولى: لماذا تبادر المرجعية إلى مجموعة من الحلول والمبادرات من اجل حل الأزمة ومنها المطالبة الحقيقة الجادة بتلبية مطالب المحافظات المنتفضة، والضغط على المالكي بهذا الاتجاه وهي القادرة على إجباره على الموافقة ( إن أرادت)، وهذا أمر لا خلاف فيه، ولماذا لم تتعاطَ بايجابية مع الحلول والمبادرات التي طرحها المرجع الصرخي لحل الأزمة والتي اثبت الواقع صحتها وتماميتها، فخيار الجهاد الكفائي لم يكن خيارا وحيدا وقهريا وقسريا ( هذا لو سلمنا انه يصلح أن يكون خيارا بحد ذاته)، وهنا نتساءل لماذا سارعت المرجعية إلى إطلاق الفتوى دون القيام بتلك الخطوات؟!!!.
المحطة الثانية: بعد مرور سنة من إصدار الفتوى ثبت بالواقع والتجربة أنها لم تكن تنطلق من قراءة دقيقة وتشخيص سليم كما وصفها المرجع الصرخي منذ أن صدرت حيث قال: (...من هنا قلنا ونقول بان الفتوى ولدت ميتة لأنها لم تصدر من الفكر والمنهج والسلوك المناسب ، ولم تصدر في الوقت المناسب ، ولم تصدر في الحدث المناسب ، ولم تكن مُشَخِّصة للتشخيص المناسب...)، لأنها تمخضت عن نتائج كارثية منها تعميق وتركيز الطائفية، وفتح الباب على مصراعيه للحشد الشعبي والمليشيات المنضوية تحته على ارتكاب أبشع الجرائم والانتهاكات، وما حدث مؤخرا في تكريت لهو صورة قبيحة من الصورة التي رسمتها الفتوى، ودليل واضح وجلي يضاف إلى سلسلة الأدلة التي تثبت أنها كانت طائفية تقاتلية، وفتوى سلب ونهب بامتياز، وهذا ما أشار إليه المرجع الصرخي مُجددا في سياق جواب له على الاستفتاء الذي رفع إليه بتاريخ 17 نيسان 2015، والذي يقع تحت عنوان: « تكريت وإيران هزيمة أو هزيمتان »، حيث قال سماحته: ((ثالثا : فتاوى القتل والسلب والنهب : تكريت الشاهد الحي على النتائج والآثار الكارثية المهلكة المترتبة على فتاوى الجهل والتعصب ، ففي تكريت السقوط الأكبر والخزي الافحش قد أصاب فتاوى التقاتل وسفك الدماء وفتاوى الدعم الذاتي للمليشيات في السلب والنهب وسرقة المتاجر والبيوت والمساجد وكل الأموال والممتلكات ...فليتحمل أصحاب الفتاوى وِزرَ ذلك كلِّه في الدنيا والآخرة)).
المحطة الثالثة: للوقوف على أسباب ما آلت إليه ا لفتوى من نتائج مدمرة لابد أن نعرف منشأها وهنا توجد ثلاث احتمالات:
الأول : الجميع يعلم إن المصادر والأدلة التي يستند عليها الفقيه في عملية استنباط الأحكام الشرعية أصلها ومنبعها الشريعة الإسلامية وحسب المفترض إن المرجعية سلكت هذا الطريق واعتمدت على الشريعة في مواقفها وفتاواها ، والنتيجة كانت واضحة الفساد والفشل ، وهذا معناه أن الشريعة غير قادرة على تنظيم حياة الإنسان، وعاجزة عن إيجاد الحلول وحل المشكلات !!!!، وهذا مما لا يقبله احد ، ولا يقول به إلا مُلحد.
الثاني : إنَّ المرجعية فاقدةٌ للجانب العلمي الذي يُمَكِّنها على فهم واستيعاب النصوص الشرعية كي تمارس عملية استنباط الأحكام الشرعية والوظيفة العلمية، وهذا ما انعكس على فتاواها ومواقفها التي جلبت للبلاد والعباد الخراب والدمار .
الثالث : إن المرجعية لم تتخذ من الشريعة مصدرا للتشريع وإنما كانت مواقفها وفتاواها مُسيَّسة وخاضعة للنفس والهوى والميول والمصالح الشخصية .
بقلم احمد الدراجي
مواضيع ومقالات مشابهة