سيناريو الإعمال التاريخية وكتابتها "رسالة للوسط الفني"
عبد الإله الراشدي..
برزت في الآونة الأخيرة ظاهرة إنتاج الأفلام والمسلسلات التاريخية الإسلامية بعد التأثر الملحوظ لها في تحريك عاطفة المشاهد, لكن ورغم الايجابية الكبيرة لهذه المشاريع الإعلامية في أنها تشد المتتبع لها لتاريخه إلا أنها وللأسف الكبير تضمنت ما هو اخطر حيث كتبت سيناروهاتها وأخرجت بنفس القراءة المذهبية .ويختلف استقراء التاريخ مذهبيا عنه اجتماعيا في أن الأخير يدرس الظروف الموضوعية التي تحيط الحدث ,بينما يعتمد الأول الشخصانية في الطروحات .الفارق هو أن محور الإخراج في القراءة الموضوعية ينتج لنا عمل سينمائي أو تلفزيوني أو مسرحي يعالج لنا قضية من جميع زواياها وهذا ما نفتقده تماما في الأعمال التاريخية, فيما يكون محور الإخراج في الأعمال التي تعتمد القراءات المذهبية هو شخصيات الحدث كرموز تاريخية ,وهنا يأتي دور السيناريو وصياغته مع المشاهد المؤثرة على العاطفة وتحريك المشاعر من أجل الـتأثير على نفسية المشاهد ليس لفهم ما دار من أحداث بل لزيادة علو المرتبة الرمزية للشخصيات التاريخية. ومن المؤكد أن ذلك لا يتم إلا عبر تسليط الضوء على الأحداث من زوايا محددة وترك جوانب أخرى.. وهذه العملية في الإنتاج تناظر الدس والتدليس الذي يعتمده مزورو التاريخ .. والذي لا يسهم إلا في زيادة النفس الطائفي ..
وسواء بعلم أم بغير علم فقد دخلت النخب الفنية والمؤسسات الثقافية حبلة الصراع التاريخي الطائفي على الرغم من أنهم أولى الطبقات التي ترفع شعار الرأي والرأي الأخر وحرية الفكر والمعتقد وصراحة القول .
هنا لكي أعطي مثالا واضحاً جلياً في القراءتين .. لاحظوا مسألة معاوية وكيف أصبح عاملاً على الشام ثم خارجاً على الخلافة زارعاً الفرقة بين المسلمين وهنا تجد في هذا اللون من الفكر يتحمل الخليفة الثاني أزر أفعال معاوية كونه من نصبه عاملا على ذلك الجزء من البلاد الإسلامية بينما من يريد أن يضفي الشرعية على أفعال معاوية وما تلاه من أئمة الطغيان والفساد الأموي كما في التيمية وزعيمهم الحراني فأنه يجعل من تنصب الخلفية عمر رضي الله عنه لمعاوية تزكية للأخير وهذه هي القراءة بين المذاهب المتشدده والتي يعتمد السيناريو بين الطرفين على أساسها .
تعالوا معي الآن إلى القراءة الموضوعية التي تعالج التاريخ والتي لا يوجد مثيل لها في الدقة من حيث دراسة الحدث من جميع أبعادة والتحقيق في الظروف التي تنتج المواقف . وهي قراءة المرجع العراقي الصرخي الحسني في محاضرات موضوعية في التاريخ والعقائد ولنعطي نفس المثال ..لنشاهد معنى القراءة الموضوعية.
صحيح أن الخليفة الثاني هو من نصب معاوية لكن وكما يقول المرجع المحقق ((قال(العقّاد): {{ وكان الفاروق قد ولّى معاوية ولاية من الشام فضمّ اليه عثمان سائر الشام، وألحق به أقاليمها من الجزيرة إلى شواطيء بحر الروم.. كان عثمان يسمع الأقاويل عن ولاية الشام ويتلقّى الشِّكايات ممّن يطلبون منه عَزْلَ ولاته وأوّلهم معاوية ... }} .
أقول : هذا المورد لضعاف النفوس والجُهّال والطائفيين والمتعصبين للمتمذهبين للمنافقين للكاذبين للمجرمين للتكفيريين، عن شبهة تحكى وتقال وتسجل على الخليفة الثاني بخصوص تولية معاوية أو غير معاوية من الولاة ، فهذا مورد الشاهد الذي نرد به على الطائفيين، فإنّ معاوية في زمن خلافة عمر رضي الله عنه كان لا يتسلط على ولاية من الشام، أما في زمن عثمان فقد توسعت سلطة معاوية، وتوسع حكمه بكل)) أذن معاوية كان يلتزم بالسياق العام خوفا من الخلفية الثاني وعلى هذا لا موجب لعزلة لكن بعد تولي الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه توسع ذلك اللوبي أو الحي من قريش والذي حذر منه النبي وسيطر على مقدرات المسلمين أذن هنا معاوية أستغل ضعف الخليفة الثالث مثال أخر أعطاه المحقق في محاضرته هو أن النبي صلى الله عليه واله وصحبه نصب خالد بن الوليد أميرا على الجيش رغم علمه ببغضه لعلي بن أبي طالب.
وهنا أقول لاحظوا كيف نستنبط من محاضرات المرجع الصرخي الحسني الجو العام لتلك الفترة ,, أشخاص تم تنصيبهم , خشية من لوبيات ومافيا ,
فالتنصيب هنا لا يأتي لزكاة الأشخاص كما يفعل التيمية مع معاوية ولا لسوء يكنه الخليفة لآل البيت من تنصيب معاوية بل كانت قضية إدارية مهنية كما وضع علي بن أبي طالب عليه السلام زياد بن أبيه واليا على الري هذه الشخصيات كانت من بيوتات لها الباع الطويل في العلاقات العامة بين القبائل ولها باع في الصراعات والنزاعات والزعامات كما نحن في هذا العصر نحتاج ذوي خبرة وكفاءة في إدارة الدولة ووزاراتها من ناحية مهنية .
لذا فالمحاضرات التي قرأت زوايا الإحداث التاريخية للمحقق الصرخي الحسني وأخذت الجانب الاجتماعي كدراية لهي أحق بأن تؤخذ كسيناريوهات لإخراج أعظم الانتاجات الفنية التي من شأنها أن تؤثر على نفسية المشاهد بل من شأنها معالجة المرض المجتمعي الطائفي ..
أقول ليس مبالغة حين تستمع إلى المحاضرات كأنك تعيش تلك اللحظات التي عاشها المسلمون وتتعرف على ما لم تكن تعرفه في محاضرات المدلسين لقد فتح المرجع الصرخي الحسني بابا كبيرا للرواة والكتاب والمنتجين من ذوي الخصوصية الإسلامية بل لربما يشكل إنتاجاً ضخماً من شأنه أن يمثل مفصلا تاريخيا لإعادة رسم الثقافة الإسلامية لدى عوام الناس الذين ابتلوا بدعاة التطرف ..
المحاضرة التاسعة عشرة "وَقَفات مع.... تَوْحيد التَيْمِيّة الجِسْمي الأسطوري"
https://goo.gl/Kdx0od
المحاضرة الثامنة عشرة "وَقَفات مع.... تَوْحيد التَيْمِيّة الجِسْمي الأسطوري"
المحاضرة الثامنة عشرة "وَقَفات مع.... تَوْحيد التَيْمِيّة الجِسْمي الأسطوري"
https://goo.gl/pjJq6b
مواضيع ومقالات مشابهة