لم
يمر وقت طويل على انتهاء الجدل حول المخطط المقدم بعد عام 2006، الذي
اقترح تقسيم العراق الى ثلاثة اقاليم، تقام على اسس مذهبية وقومية، حتى
بدات لوبيات ضغط امريكية، اعادته الى الواجهة، مع قرب الانتخابات
الامريكية.
"يجب ان نرى العراق على ما هو عليه، لا ما نريده ان يكون
عليه"، هذه الجملة التي اطلقها جو بايدن، عام 2006، امست مرة اخرى اليوم،
اساسا يستخدم لاقامة ضغط على الحكومة الامريكية القادمة، نحو تطبيق الخطة
التي قدمها بايدن وكاتب السياسة الخارجية الامريكية "ليسلي غيلب"، والتي
رفضت حينها من عدة اطراف، اشارت المجلة، الى ان هذه الخطط، سيكون من الذكاء
تطبيقها الان من قبل الرئيس الامريكي القادم.

عدم الاستقرار الامني.. نتيجة لعدم الاستقرار المذهبي
بالطبع، خطة جو بايدن لم تكن لتنجح ان طبقت قبل 10 سنوات، فهي
لم تاخذ بنظر الاعتبار حينها التبعات السلبية للتطبيق، والمعطيات على
الارض التي تمنع تنفيذها، العراق، احتاج الى الخطة الامريكية المتمثلة في
استراتيجية "الموجة" عام 2007 بالاضافة الى نشاط استخباري ودبلوماسي،
لاقامة اتزان امني، انتهى بمجرد انسحاب القوات الامريكية عام 2011.
هذا الامر، سيترك الرئيس القادم، مع اكبر معضلة سياسة خارجية
تواجهها ادارة امريكية خلال عقد من الزمن، الموضوع سيكون ملحا بقدر اهمية
الدفع بالحرب ضد الارهاب عالميا، لكون اي محاولة للسلام او الفوز ضد
الارهاب، لن تتحقق اذا ما لم يتم، التعرض للخطر الحقيقي الذي يهدد الامن في
العراق، وهو عدم الاستقرار، فالولايات المتحدة ولكونها غزت العراق مرتين
منذ عام 1991، تتحمل مسؤولية كبيرة، في ايجاد حل للوضع الذي آل اليه.
الاستمرار في اتباع السياسة القديمة المتبعة حاليا،
والاستراتيجيات ذاتها، لن يؤدي سوى الى استمرار العنف الذي عصف بالعراق
لمدة تقارب الجيل الكامل، ولاجل الخروج من هذه الدائرة المتكررة، على
الرئيس القادم ان يتخذ قرارات مغايرة للمعتاد، متسمة بالحكمة والحزم،
بالاضافة الى الشجاعة، تتمثل في اعادة تشذيبه الى شكل اقليمي.

داعش..
اذا ما ابتغت الولايات المتحدة التعجيل بالقضاء على داعش، فان
المقاربة الافضل لذلك، هي ان يتم تسخر كل الامكانات، لتحفيز القبائل
المحلية والاهالي في المناطق التي يسير عليها التنظيم، للقتال ضد وجوده،
هذا الامر يتطلب منحهم سبب لذلك، القوات الخاصة، الاستخبارات، الدعم
المباشر، ستعزز من الاسباب مهما كانت، وتسرع بالقضاء على داعش.
هذه الاستراتيجية نجحت مع تجربة الصحوات بين عامي 2006-2007،
والتي ولد عنها تنظيمات سنية شبه عسكرية قوية الوجود، هذه الاستراتيجية
يمكن ان تستخدم مرة اخرى للقضاء على داعش، بشرط ان تقدم الادارة الامريكية
وعودا واضحة للسنة، وتلتزم بها هذه المرة.
رئيس الوزراء العراقي السابق "نوري المالكي"، امتلك حكومة
تمتعت بالدعم من كلا الغريمين، طهران وواشنطن، لكنه كسر الوعود التي قدمتها
حكومته وواشنطن لمسلحي العشائر، المتمثلة بمنحهم اقليما او شبه اقليم، في
الوقت الذي زاد فيه الانسحاب الامريكي من العراق، المالكي قوة في الضغط
عليهم نحو التخلي عن تلك المطالب، والشعور بالياس الذي غلب عليهم بعد تخلي
الولايات المتحدة عنهم وتركهم لحكومة المالكي.
السنة العرب، اذا ما اريد منهم المشاركة في القتال ضد داعش
بشكل كامل وحقيقي، فعلى الحكومة الامريكية والعراقية، ان تقدم لهم الوعد،
والخطط، والضمانات ايضا، لاقامة اقليم لهم، او شبه اقليم، يضمن لهم حقوق
كتلك التي يتمتع بها الاكراد العراقيون في اقليمهم الشمالي، كما اوضحت
المجلة.
التصرف العقلاني من قبل ادارة واشنطن القادمة، يجب ان تكون التعامل مع العراق على اسس التقسيم الاقليمي، ولاسباب منطقية.. منها.

ان سيطرة المتطرفين السنة على مناطق في العراق، اثبت بان
العرب السنة، ذو مقاربة علمانية اكثر من نظرائهم الشيعة في ايران، وفي
النجف والمناطق الدينية في العراق، هذا الامر يجب ان يستغل من قبل الادارة
الامريكية لخلق حليف قوي في العراق.
السبب الثاني، هو حقيقة ان المواطنين السنة في مناطقهم،
يشعرون بالخطر وقلة الامن بسبب ممارسات الحكومة السابقة، فمن السخرية، ان
هؤلاء المواطنين يشعرون بالامان تحت سيطرة داعش، اكثر مما شعروا تحت سلطة
الحكومة العراقية، التي تركت الالاف من قواتها اسلحتها وهربت من الموصل
بمجرد دخول بضعة مئات من عناصر داعش اليها، مما يشير الى مشكلة ثقة حقيقية
بين السكان والقوات الامنية المرابطة هناك المامورة من حكومة لا يثق السكان
بها.
السنة في تلك المناطق سيكونون اكثر امنا، اذا ما حكموا انفسهم بانفسهم، على حد تعبير المجلة.
اما ثالثا، فحقيقة تنامي سطوة ايران المذهبية عبر حدودها ونحو
العراق الى البحر المتوسط، تنمي الخوف من قيام حرب اقليمية او ربما عالمية
على اسس مذهبية، بسبب تصرفاتها وسياساتها الخارجية.
خلق هكذا اقليم في غرب العراق، كما اوردت المجلة، سيعني وضع
ارض تحت اشراف الولايات المتحدة، تستطيع الاقليات الدينية الاخرى من
الايزيدية والمسيحيين، من سكان الارض الاصليين، ان ينضموا اليه ويحيوا فيه،
فهذا الامر يخدم الجميع الا بعض القوى الاقليمية من ايران وحتى تركيا،
الاردن، السعودية ودول الخليج، الامر لا يتوقف عند هذا الحد، بل احتياج
سوريا الى حليف قوي سني لتحقيق التوازن على ارضها، سيعني دفع استقرار اكثر
نحو هذه المناطق المتصارعة.

ايران.. حليف ام عدو
الخطط هذه، ستقوم ايران حتما بمحاربتها لاجل مصالحها الخاصة،
حيث سيواجه الرئيس الامريكي القادم خيارا مهما، اما ان يكون دافعا نحو
مصالح الولايات المتحدة في المنطقة، ام متغاضيا عن تنامي تلك الايرانية،
التي ما زالت تثبت ان لها القدرة على الوصول خارج اراضيها بكل سهولة وتحريك
الامور بما يناسبها.
ربما قد تكون الاتفاقية التي تمت بين ايران والولايات المتحدة
حسب برنامجها النووي، تنحصر في ايقاف السيطرة على التوسع الايراني فقط، او
انها قد تكون، اشارة الى انقلاب خطير جدا وواسع في السياسة الامريكية،
تحول خلالها الولايات المتحدة ايران من غريم اقليمي، الى حليف استراتيجي في
المنطقة.
بكل حال، فان الرئيس الامريكي القادم، سيواجه باسئلة حول
الاوضاع ليجيب عليها بحلول، لم تطرح على رئيس اخر مسبقا في تاريخ الولايات
المتحدة، بخصوص سياستها الخارجية.
الامر بالنسبة لهيلاري كلينتون، سيوفر نهاية مناسبة جدا للجدل
المثار حول تصويتها بالايجاب على غزو العراق، حيث سيكون بمثابة فرصة
لاصلاح الامور واثبات انها رئيسة قادرة على حل المعضلات، اما ترامب، فان
الموضوع سيكون بالنسبة اليه اقرب الى صفقة تجارية، قد تظهر بانه قادر على
ان يكون القائد الذي يخالف الصورة المرسومة عنه اعلاميا.
القيام بالامر الصحيح، لا يتطلب "استبدال حكومات"، او "اعادة
بناء بلدان"، بل ببساطة، ان تترك واشنطن العوامل الاقليمية تتخذ مسارها
الطبيعي، والنتيجة المنطقية لذلك هي التقسيم.
وهنا، اذا ما اراد ترامب او كلينتون، ان لا يورثوا العراق
ومعضلته الى لاحقهم، فان عليهم ان يبدؤا بالنظر الى العراق كما هو، لا كما
يريدون ان يروه، تحديدا، مثلما اعلن ذلك جو بادين قبل عقد تقريبا.

المصدر: مجلة TIME
الترجمة: مروان حبيب