حديث الشاب الأمرد .. بين التصحيح والمغالطة
بقلم :: احمد الملا..
من بين أهم وأبرز المؤاخذات على فكر إبن تيمية هو التجسيم – أي تجسيم الله سبحانه وتعالى – فقد صحح إبن تيمية الحديث المرفوع عن قتادة, حيث قال إبن تيمية في كتاب بيان تَلبيس الجَهْميّة في تأسيس بِدَعِهم الكلامية ج7/290 طبعة مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف 1426هــ بالمدينة المنورة, (( فيقتضي أنّها رؤية عين كما في الحديث الصحيح المرفوع عن قَتادة عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله "صلى الله عليه وآله وسلم" : { رَأَيْتُ رَبِّي فِي صُورَةِ شَابٍّ أَمْرَدَ، لَهُ وَفْرَةٌ جَعْدٌ قَطَطٌ، فِي رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ} )).وهنا يحاول بعضهم خصوصاً بعدما ثبت اعتقاد أبن تيمية بالتجسيم يحاولون دفع هذا الأمر عنه وأخذوا يبررون له بشتى التبريرات ومنها تفسير ابن تيمية نفسه لمعنى تلك الرؤية الواردة في الحديث في نفس المصدر المذكور أعلاه في الصفحة (بيان تلبيس الجهمية 1/325- 328) ويقولون إن تصحيح ابن تيمية للحديث لا يعني أنه يعتقد بأن حقيقة الله على صورة شاب أمرد !!!.
وهنا لنا عدة تعليقات ...
التعليق الأول : المعروف عند أتباع ابن تيمية إن الحديث المرفوع هو ( ما أضيف إلى رسول الله " صلى الله عليه وآله وسلم " من قول أو فعل أو صفة, وقد يكون صحيحاً أو حسناً أو ضعيفاً بحسب حال سنده ومتنه ) وهنا نبحث عن معنى كلمة إضافة ماذا تعني ؟ وكما هو معروف الإضافة تعني الزيادة على شيء وهي ضم شيء إلى شيء آخر, وهذا يعني إنه هذا الحديث تمت إضافته إلى ما صدر من النبي الخاتم " صلى الله عليه وآله وسلم " من أحاديث وروايات وأفعال وتقارير, أي بعد تمامية الأحاديث تمت إضافة هذا الحديث عليها لأنه " مرفوع " وهذا يقدح بصحة الحديث...
التعليق الثاني : هناك العديد من العلماء ورجال الدين الذين ضعفوا الحديث وهناك من أنكره فلماذا ابن تيمية وقف لجانب من صحح هذا الحديث ؟ لماذا لم يضعفه على أقل تقدير أو يكذبه كما فعل مع حديث " التصدق بالخاتم " الذي كذبه مع وجود طائفة كبيرة من العلماء ورجال الدين والمحدثين صححوا الحديث وأكدوه ؟!.
التعليق الثالث : إن كان ابن تيمية يعتقد بصحة حديث " الشاب الأمرد" أليس هذا يعني إنه يعتقد بأنه حديث صادر من النبي " صلى الله عليه وآله وسلم " ؟ وكل ما يصدر منه " صلوات ربي وسلامه عليه " يكون من السنة وهذا يعني إنه واجب الإعتقاد بأن الله سبحانه وتعالى هو على الهيئة التي شاهدها المصطفى الخاتم " صلى الله عليه وآله وسلم " لأن تلك الرؤية رؤية صادقة وهي ناتجة عن حقيقة اعتقاده بربه وهذا حسب قول أبن تيمية (لا بدّ أن تكون الصورة التي رآه فيها مناسبة ومشابهة لاعتقاده في ربّه ) فإن كان النبي الخاتم هكذا يرى لاعتقاده بربه, أفلا يكون ملزما بنا نحن البسطاء من المسلمين أن نسير على ما يعتقد به النبي " صلى الله عليه وآله وسلم " ؟! وبشكل مختصر إن تصحيح ابن تيمية لهذا الحديث يعني إنه يعتقد به.
التعليق الرابع : هو للمرجع الديني العراقي السيد الصرخي الحسني الذي ناقش فيه محاولات التيمية تلك في الدفاع عن شيخهم, وأثبت حقيقة اعتقاد إبن تيمية بالتجسيم وأدانه بكلامه, وذلك في المحاضرة الثانية من بحث (وقفات مع ... توحيد التيمية الجسمي الأسطوري ) وهي تكفي بأن تثبت حقيقة عقيدة التجسيم عند ابن تيمية وتغنينا عن التعليقات السابقة, وهذا موجز من تلك المحاضرة ...
في أسطورة (5): أغبى الأغبياء... أجهل الجهّال!!!
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (بيان تلبيس الجهمية: [1/ 325-328]): {{لفظ الرؤية وإن كان في الأصل مطابقًا، فقد لا يكون مطابقًا كما في قوله: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا} [فاطر مِن الآية:8]، وقال: {يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ} [آلِ عمران مِن الآية:13]، وقد يكون التوهُّم والتخيُّل مطابقًا مِن وجه دون وجه، فهو حق في مرتبته، وإن لم يكن مماثلًا للحقيقة الخارجة مثل ما يراه الناس في منامهم، وقد يرى في اليقظة مِن جنس ما يراه في منامه، فإنه يرى صورًا وأفعالًا ويسمع أقوالًا}}.
وعلق المرجع الصرخي على هذا القول لابن تيمية :
أقول:1ـ قال تيمية (( لفظ الرؤية وإن كان في الأصل مطابقًا) فهل يعرف الشيخ تيمية معنى ما قال، فضلًا عن أتباعه؟!! وهل يوجد بينهم إنسان- ولو بالحد الأدنى مِن العقل الإنساني- سأل نفسه ما معنى المطابقة المذكورة ومع مَن تكون المطابقة؟!! ))
واضاف المرجع الصرخي موجها ً خطابه الى التيمية :
( أيها التيمية هل يوجد بينكم إنسان ولو بالحد الأدنى مِن العقل الإنساني سألَ نفسه ما معنى المطابقة المذكورة في بيان تلبيس الجهمية: [1/ 325-328]) ومع مَن تكون ؟!! فهل يخفى على أجهل الجهّال، وأغبى الأغبياء، أنّ لفظ (الرؤية) إن قلنا بمطابقته لشيء، فهو لا يطابق إلّا نفسه، بل حتى القول بمطابقته لنفسه، فهو غير تام، لأنّ المطابقة تتألَّف وتتحقَّق مِن طرفين، فيقال هذا يطابق هذا!!! أمّا أن تقول لفظ (الرؤية) يطابق لفظ (الرؤية)، فهو مِن اللغو وخفَّة العقل، لأنّه غير تام في نفسه، أو أنّه مِن تحصيل الحاصل . )
ثم اكمل السيد الصرخي الحسني محللاً رأي ابن تيمية في النصوص القرآنية التي ذكرها :
( 1- وعليه فلا يتم كلّ ما قاله بعده مِن كلام، فلا يتم قوله (فقد لا يكون مطابقًا كما في قوله: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا}، وقال: {يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ})، فلفظ (رآه) مطابق لنفسه، أي مطابق للفظ (رآه)، ولفظ (يَرَون) مطابق لنفسه، أي مطابق للفظ (يَرَون)، حسب كلام ومبنى ابن تيمية نفسه)
( 2- تأويلات التيمية وتبريراتهم لكلام شيخهم غير مقبولة وغير تامة، وإلّا فلماذا لا يقبلون تفسيرات، وتأويلات، وتبريرات، الصوفية، والماتريدية، والشيعة، والأشاعرة، وغيرهم من فرق المذاهب والكلام والفلسفة؟!! بل يخرِّجونهم مِن الإسلام، ويكفِّرونهم، ويبيحون دماءهم وأعراضهم وأموالهم!!! )
( 3- أبجديات اللغة والعرف، وأبجديات وبديهيات المنطق، يجهلها تيمية وأتباعه الذين لا يفرِّقون بين الدال والمدلول، ولا بين العنوان والمعنون، ولا بين اللفظ والمعنى!!! فمَن كان بهذا الجهل والمستوى الضحل مِن التفكير، فكيف يستطيع التمييز بين معاني القرآن وبين معاني السنة الشريفة؟!! فكيف يميِّز بين المحكم والمتشابِه، وبين الناسخ والمنسوخ، وبين الخاص والعام، وبين المطلق والمقيّد، وبين الحاكم والمحكوم؟!! وكيف يميِّز بين البرهان والمغالطة؟!! وكيف يميِّز بين الله (تعالى) والدجال الشاب الأمرد الجعد القطط؟!! فكيف سيميِّز بين كلام الله الحق وكلام إبليس الدجال؟!! وكيف يميِّزون بين مراد الله وأحكامه ومراد الشيطان وخزعبلاته وضلالاته؟!! فَهُم الذين مرقوا مِن الدين، فصاروا يستخدمون الدين، والإسلام، والقرآن، للباطل، والقبح، والفساد، والإرهاب، فكانوا ولا يزالون يرفعون القرآن، وكلمة الحق يراد منها باطل، وشيطنة، وفساد، وقتل، وإرهاب )
{{لفظ الرؤية وإن كان في الأصل مطابقًا، فقد لا يكون مطابقًا كما في قوله: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا} [فاطر مِن الآية:8]، وقال: {يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ} [آلِ عمران مِن الآية:13]، وقد يكون التوهُّم والتخيُّل مطابقًا مِن وجه دون وجه، فهو حق في مرتبته، وإن لم يكن مماثلًا للحقيقة الخارجة مثل ما يراه الناس في منامهم، وقد يرى في اليقظة مِن جنس ما يراه في منامه، فإنه يرى صورًا وأفعالًا ويسمع أقوالًا}}.
حيث علق السيد الصرخي قائلا : ( فلا نعرف ما هو جواب أصحاب التوحيد التيمي الأسطوري عن اللغة والألفاظ التي تكلم بها الله (تعالى) مع موسى (عليه السلام)؟!! وأنّ هذه الألفاظ التي وَضَعَها الإنسان المعتَبِر، وحسب حاجته، وحسب موطنه وزمانه ولغته، هي مِن وَضْعِ وَصُنْعِ الإنسان، ومِن خلق الإنسان، فكيف يجعلها التيمية قديمة بقدم الله، وإنها ليست مخلوقة مِن مخلوقات الله، بل جعلوها شريكًا مع الله، أو هي الله!!! سبحان الله عما يقولون، والمصيبة العظمى أنّهم- مع هذا الجهل، والتفاهة، والسفاهة، والضحالة- يكفِّرون مَن يخالفهم في هذه الأساطير والخزعبلات، ويقتلونهم كما قتلوا علماء مسلمين كبار مِن أئمة وفقهاء وفلاسفة ومتكلمين!! )
أسطورة (6): إمّا التجسيم وإمّا التشبيه!!!
في نفس المورد والمصدر السابق قال ابن تيمية: {{وتلك أمثال مضروبة لحقائق خارجيّة كما رأى يوسف سجود الكواكب والشمس والقمر له، فلا ريب أنّ هذا تَمَثَّله وتصوَّره في نفسه، وكانت حقيقته سجود أبويه وأخوته كما قال: {يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا} [يوسف من الآية:100]، وكذلك رؤيا الملك التي عبَّرها يوسف، حيث رأى السنبل، بل والبقر، فتلك رآها متخيلة متمثّلة في نفسه، وكانت حقيقتها وتأويلها مِن الخصب والجدب، فهذا التمثل والتخيُّل حقٌ وصدقٌ في مرتبته، بمعنى أنّ له تأويلًا صحيحًا يكون مناسبًا له ومشابهًا له مِن بعض الوجوه، فإنّ تأويل الرؤيا مبناها على القياس، والاعتبار، والمشابهة، والمناسبة، ولكن مَن اعتقد (أنّ ما تمثَّل في نفسه وتخيَّل مِن الرؤيا هو مماثل لنفس الموجود في الخارج، وأنّ تلك الأمور هي بعينها رآها)، فهو مبطل، مثل مَن يعتقد (أنّ نفس الشمس التي في السماء والقمر والكواكب، انفصلت عن أماكنها، وسجدت ليوسف، وأنّ بقرًا موجودة في الخارج سبعًا سمانًا، أكلت سبعًا عِجافًا)، فهذا باطل، وإذا كان كذلك؛ فالإنسان قد يرى ربّه في المنام ويخاطبه، فهذا حق في الرؤيا، ولا يجوز أن يعتقد أنّ الله في نفسه مثل ما رأى في المنام، فإنّ سائر ما يرى في المنام، لا يجب أن يكون مماثلًا، ولكن لا بدّ أن تكون الصورة التي رآه فيها مناسبة ومشابهة لاعتقاده في ربّه، فإن كان إيمانه واعتقاده مطابقًا، أتي مِن الصور، وسمع مِن الكلام، ما يناسب ذلك، وإلّا كان بالعكس}}. بيان تلبيس الجهمية: [1/ 325-328])
وعلق المرجع الصرخي : ( أقول: 1ـ حاول شيخ الإسلام المجسِّم دفع معتقد التجسيم عن نفسه، لكنّه وقَع في التشبيه وبكل تأكيد وإصرار، فها هو يكرِّر ويؤكِّد وجود تشابه بين ما يراه في المنام وبين الموجود في الخارج!!! فربّه الشاب الأمرد الجعد القطط، الذي يراه في المنام، يشبه ربّه الذي في الخارج، وكلما ازداد الإنسان إيمانًا ويقينًا، كلما ازدادتْ نسبة المشابهة، وعدد جهات المشابهة، حتى تصل إلى التطابق بين ما يراه في المنام وما موجود في الخارج...!!! )
واضاف المرجع الصرخي في تحليل وكشف حقيقة معتقد ابن تيمية : قال تيمية {فهذا حق في الرؤيا، ولا يجوز أن يعتقد أنّ الله في نفسه مثل ما رأى في المنام، فإنّ سائر ما يرى في المنام لا يجب أن يكون مماثلًا }
وعلق السيد الصرخي منبها ً: ( التفتْ جيدًا، إنّه لَمْ يقلْ : {يجب أن لا يكون مماثلًا}، بل قال: {لا يجب أن يكون مماثلًا}، فالتماثل الكلي والتطابق ممكن عند التيمية، ولا مانع يحول دون إمكانه، لكنّه يعتمد على مستوى الإيمان ودرجة اليقين، ولهذا قال: {فإن كان إيمانه واعتقاده مطابقًا، أتي مِن الصور، وسمع مِن الكلام، ما يناسب ذلك، وإلّا كان بالعكس}
واكمل المرجع الصرخي تحليل معتقد ابن تيمية :
( ما هو العكس؟!! فهل رَبُّ هذا يختلف عن رَبِّ ذاك، فتختلف الصور، ويختلف الكلام، بحسب إيمان واعتقاد الشخص؟!!! وأيّ إيمان واعتقاد يتحدَّث عنه ابن تيمية؟!! وما هي المطابقة؟!! ومع أيّ شيء تكون المطابقة؟!! والحديث- في المقام- عن الصور والكلام، فلا نتصور مطابقة هنا، إلّا مع صور وكلام أصلي، ومرجع نرجع إليه، لنعرف هل إنّه يطابق أو لا يطابق، أو يطابق بعضه!!! وهنا يأتي السؤال عن الصورة والكلام الأصلي المرجع، فمِن أين يحصل عليه الشخص؟!! وكيف يعلم به ويتيقَّنه؟!! وأين يراه ويسمعه؟!! ثم يجعله مرجعًا له يطبّق عليه الصور والكلام التي رآها وسمعها في المنام؟!! ) .
مواضيع ومقالات مشابهة