مكر سراقنا في التخفي والتواري وعباءات المعممين
من الألاعيب التي كان ديدننا ممارستها في صغرنا لعبة الـ (ختيلان).. وقد عادت بي ذاكرتي الى هذه اللعبة تحديدا، لأن أسلوب التخفي والاختفاء والتواري صار طبيعة وعادة، تطبع بها بشكل ملحوظ ساستنا وأرباب الحكم وصناع القرار اليوم، بما يشبه البارحة الى حد كبير، مع فارق العمر والمسؤولية والنتائج. بل اضاف الأخيرون على اللعبة ميزة التخفي ليس عن الأنظار فحسب..! بل عن الظنون والشبهات والحدس والاتهام، وأقرب محطة تمارس فيها هذه اللعبة هي السرقات.. وقد اتخذ ممارسوها مكانا واضحا على مرأى الجميع، بعد ان كان السراق يتخذون مكانا قصيا، خوفا من الرقيب وتفاديا للعيب وابتعادا عن الحرام. ولايخفى على أحد مابات لهذا الجانب اليوم من انتشار كانتشار الهشيم في النار في كل مفاصل حياتنا، حتى غدت خبزة الحرام أسرع شواءً من خبزة الحلال، وأضحى مذاقها -لدى البعض- أشهى وألذ من قرينتها. كما أن حيز ممارسة السرقات كبر واتسع وتجاوز حدود الضمير والدين والأعراف وكذلك.. البلاد..! وليست ببعيدة عنا عملية السرقة المنظمة التي زهقت بسبب إتمامها ارواح عشرات الألوف من العراقيين، تلك هي صفقة استيراد جهاز (السونار) لكشف المتفجرات. فقبل ثلاث سنوات علت الصيحات في بريطانيا التي تبعد عن العراق آلاف الأميال، والسبب هو تورط تاجر بريطاني في صفقة الأجهزة الكاشفة للمتفجرات (السونار) والتي تبين جليا وبإثباتات جهات مهنية، زيفها وعدم كفاءتها في أداء المهمة المتوخاة منها، ونال على أثرها ذاك التاجر عقوبة عشر سنين سجن على فعلته تلك. وعلى الرغم من ذلك لم تتخذ الجهات المسؤولة في العراق إجراءات على محمل الجد حيال المتورطين في هذه الصفقة، بل كانت كرة الاتهامات تتقاذف من ساحة هذا السياسي الى ساحة ذاك التاجر، الذي بدوره لايتماهل في تحويلها بضربة محترف الى ساحة مسؤول ثالث هو الآخر لايقل مهارة في تحويلها الى رابع، وهكذا تتوالى سلسلة الأشخاص من المسؤولين في مراكز عليا في الدولة، وهم في حقيقة الأمر ليسوا متهمين، بل (متخمون) في ريع تلك الصفقة وأرباحها، ان لم يكونوا قد عدوا العدة لصفقات جديدة بزوايا أخرى من زوايا البلاد، و (هبرات) كبرى من ثروات العباد، لاتبدأ بصفقة رز او سكر تالف، او حليب فاسد، ولاتقف عند بسكويت أطفال منتهي الصلاحية، ولاصفقة سلاح روسي... والقائمة تطول في العد والكم والنوع والكيفية والعائدية في السرقات والاختلاسات، وهي لاتنتهي بملف النازحين والسرقات التي طالت خيمهم وكرفاناتهم وأرزاقهم ومخصصات الإعانة المادية لهم.
ومن ضمن إطار فلك الفساد الذي يدور فيه السراق، لايمكن نسيان صفقة المناطيد الأمنية وكاميرات المراقبة، التي نصبت في أطراف العاصمة بغداد، والتي تضمن -كما يفترض- الكشف المبكر لتحركات المجاميع الإرهابية، وبالتالي تقليص عمليات العنف والحد من وقوع المزيد من ضحايا أبرياء، وفقا للغرض الذي أنشئت من أجله، إلا أنها خيبت الظنون أمام فنون وألاعيب السراق والفاسدين وتجار الحروب، الذين صارت لهم خبرة وملكة في الغش واتقانه، والزيف وتمريره.
إذن، هي ذاتها لعبة الـ (ختيلان) التي كنا نلعبها في صغرنا، إلا أن أبطالها كبار وذوو حيلة ودهاء، ولهم مايسندهم على أرض الملعب، فيلعبون كما شاءوا مع القانون بتخفٍ شبحي واتفاقات مبطنة، تختلف تمام الاختلاف عما كنا نلعبه في صغرنا شكلا ومضمونا ونية وغاية.
من سيكشف لنا هذا الفساد وكيف سيتم محاسبة المفسدين ؟ اذا كان الغطاء الديني وعباءة المرجع وزعيم التيار ورئيس الكتلة المعمم وابن المرجعية هم من تمر تحت عباءاتهم كل مصائبنا؟
مواضيع ومقالات مشابهة