أوقف الشرطي المتّهم امام القاضي بعد ان حذّره:(قصّة واقعيّة). صفاء الهندي
أوقف الشرطي المتّهم امام القاضي بعد ان
حذّره:
- إياك ان تتكلّم دون ان يسألك القاضي..
ردّ السجين:
- ان نعم.
لم يلتفت القاضي الى السجين الذي جلبوه
وأوقفوه أمامه، او يهتمّ له حتى
ولو بنظرة عابرة ليرى شكله او كيف هو؟
كان منكبّا يقرأ ملف القضية.. مدوّنة افادة
المتّهم ونتائج التحقيق..
مرّت تلك اللحظات على المتّهم كأنّها دهور،
لم يهتمّ لضياع خمسة شهور
من عمره التي قضاها حبيسا على ذمّة التحقيق وتجرّع خلالها
شتّى
ألوان القهر والعذاب.. قدر إهتمامه بهذه اللحظات المصيرية..
نظر الى القاضي وتفحّصه بينما لازال يقرأ
قضيّته..
رآه رجلا أشيب قدّره في الستّينات من عمره، بنظاّرة سميكة تتوسط
عمود أنفه
فتوسّم فيه خيرا وتأمّل ان يُفرج عنه..
لكنه لاحظ: بالاضافة الى وجود مسؤول الإدّعاء
والكاتب جالسين
على يمين ويسار طاولة القاضي، حضور (سفير) إحدى الدول المجاورة..
بمعيّة
(المحافظ) بـ نفس الغرفة، فأنقبض صدره وتأكّد له ان قضاء البلاد
مُسيّس ومحكوم بهؤلاء..
فناجى ربّه متمتما بـ دعاء..
رفع القاضي رأسه الأشيب بعد إطّلاعه على
ملف قضية المتّهم الذي يقف امامه،
سحبَ كرسيّه للامام، ثم عدّل جلسته ودفع بـ سبّابته
النظاّرة الى عينَيه
وسأل المتهّم:
- انت (فلان....)؟
اجاب:
- نعم.
- ماعلاقتك بـ (المهندس)؟
- انا أحد أصحابه..
- وأين هو الآن؟
- الله أعلم أين هو..؟ لكننا علِمنا أنه
بخير والحمد لله.
- أممممممم اه.. طيب لماذا تصادمتم مع القوات
الامنيّة؟
- كُنّا نُدافع عن انفسنا..
- تريدون ان تهجموا على مركز المدينة وتستحلّونها..؟ (قالها بعصبيّة)
- هذا كذب وإفتراء سيّدي (قاطعه القاضي)
- واين هو مهندسكم الآن؟ (متهكّما..)
- لااعلم اين هو، لكنّه ليس مهندسنا فحسب بل هو مهندس كل
الناس الشرفاء
والوطنيين في البلاد..!!
- لكنّكم ترومون إحتلال المدينة والسيطرة
على مواردها...؟!!
- كما قلت لك سيّدي هذا كذب وإفتراء، بدليل
أننا هوجمنا من قبل المليشيات
والقوات الامنية الاخرى في مركزنا في مكتبنا في عقر دارنا..
وليس في المدينة، ويعرف جنابكم ان مركزنا يبعد عدّة كيلو مترات
عن مركز المدينة..
- ولماذا تسمّونها مليشيات.. أليس الجيش
والقوّات الأمنيّة مَن تصادمتم معهم..؟
- لا بل هي المليشيات، قوة: (كذا وكذا وكذا....)
مَن هاجمتنا وليس الجيش،
لأن الجيش لايضرب شعبه..!
- هل ترى نفسك مذنبا؟
- كلّا سيّدي لست مذنب.
نظر القاضي الى ملف القضية وقال له مشيرا
بيده الى الملف:
- مكتوب أمامي في إفادتك وإعترافك:
أنّك أحرقت عجلَة
عسكرية بقاذفة صواريخ كنت تحملها..
- كما ترى سيّدي أنني أمشي على (عكّّازَين)
فـ كيف تأتّى لي ان احمل قاذفة
صواريخ بيدَي وأنا بهذه الحال...؟ هذه الافادة والاعتراف
باطل،
وضبّاط التحقيق هم مَن دوّنها وسجّلها ضدّي وانا لم أقلها..
فضلا كل الناس تعلم
وتعرف أننا بنّاءون..
ولسنا مخرّبون..
- أليس عوَقُك هذا نتيجة التصادم والقتال..؟ (صارخا به)
- كلّا سيّدي، عوَقي عوَق ولادي.. ويمكنكم
التأكّد من هذا بـ عرضي على أطبّاء..
فصُدِم القاضي وأُسقِط في يده من هذه الحقيقة
وأطرق الى الارض هُنيهة
وهو مبهوت..!!
ثم إلتفت ناحية المحافظ وكأنّه يستنجده
للخروج من هذه الورطة التي رمَوه فيها..
فغمزَه المحافظ.. قائلا بـ لهجة اخرى: ياستّة
سويت الستّين.
(في أشارة منه، الى نفس حكم المتّهمين الأربعين الذين حكمهم قبله)
وعاد
يدردش مع ضيفه الاجنبي
بـ لغته الفارسيّة..
فأصدر القاضي حكمه على المتهم قائلا:
- لقد وجدت المحكمة أنك مُدان وفق المادة
(4 ارهاب)
وحكمت عليك بالسجن المؤبّد.
(قصّة واقعيّة).
صفاء الهندي
مواضيع ومقالات مشابهة