نفي التواتر في ولادة المهدي : بقلم باحث في العقائد
يعتقد البعض أن مجموع الروايات القائلة بولادة المهدي في العام 255 هـ تشكل تواترا معنويا في إثبات ولادته فيمثل ذلك دليلا قطعيا على ولادة المهدي ومن هنا سنناقش حقيقة هذا الراي وهل يوجد مثل هذا التواتر المدعى في المقام.
أولا علينا أن نعرف أن التواتر من وسائل اليقين الموضوعي الاستقرائي بمعنى أن كل رواية تشكل نسبة من اليقين وفي قبالها نسبة من الشك وتقل نسبة الشك في حال وجدت معها روايات أخرى تتطابق معها في المعنى أو المضمون وبمجموع تلك الروايات التي تخبر عن حادثة او حديث معين تكون نسبة الشك ضئيلة لدرجة ان العقل لا يلتفت إليها. لكن يشترط في التواتر عدة أمور منها
نوعية الشهود من حيث الوثاقة والنباهة وتباعد مسالكهم وتباين ظروفهم .
وفي قضية ولادة المهدي فان معظم من استندت إليهم أدلة ولادته مجاهيل يتعذر معرفة مدى وثاقتهم والظروف المتباينة التي تؤدي إلى ارتفاع في النسبة الاحتمالية لصدق الإخبار.
ومنها نوعية القضية ومقدار ما تشكل من عوامل لقبولها او رفضها ومع أخبار الولادة وما شاهدنا من غرائب كحديث الطير الذي يرفع المهدي الى السماء أو كحديث أن المهدي خرج من فخذ أمه او كحديث انه في خلال مدة قصيرة الصبح شابا فأنها تشكل قرائن عكسية لقبول الإخبار .
ومنها الأحاسيس العاطفية والميل المذهبي وبالتاكيد فان قضية المهدي من اكثر القضايا التي تحتوي هذه الميول المذهبية ولاننسى ان في كل فرقة من فرق الشيعة دعوى من دعوات المهدوية وليس من المعقول أن لا مصلحة لمن وضع هذه الروايات. فبلحاظ صحة اثبات صحة المعتقد وبلحاظ وجود سفراء وخروج التوقيعات التي تصور للعامة وجود المهدي شخصيا في تلك الفترة وما صدر بروايات صحيحة انه لايرى شخصه وانه نهي عن البحث عن المكان كما في قول السفير سيأتي في صفحة حرمة التسمية ومن المؤكد ان عوام الناس لا يستطيعون فهم معنى هذه السفارة والدليل ان الحيرة وقعت عند الشيعة في تلك الفترة ومن المؤكد ان في كل المذاهب من يريد ان ينتصر لمذهبه حتى بوضع الأحاديث ودسها اذن من السهولة ان نتصور وجود مثل هذه الأحاديث الموضوعة .ولو دققنا النظر جيدا لوجدنا أن الكليني الذي عاش في زمن السفراء ليس لديه مكاتبات مع المهدي وقد عاش آخر أيام حياته في بغداد وتوفي قبل وفاة السفير الرابع بسنة واحدة وأيضا مع هذا كله لم يذكر لنا رواية واحدة في كتاب الكافي عن حكيمة وإنما أكثر ما اعتمده في إثبات ولادة المهدي هو توقيعات السفراء اعتمادا على أخبار العوام وغرائبها اما الشيخ الصدوق الذي ازدادت نسبة احاديث الولادة في كتبة واصبح الحديث عن ولادة وقابلة فلو دققنا النظر في ترجمته سنجد ان مجموعة من العوامل ساهمت بشكل كبير في وضع هذه الأحاديث في مؤلفاته منها الحالة النفسية للشيخ الذي رافقته كونه يعتقد انه دعوة المهدي حيث تذكر الروايات ان أباه طلب من السفير أن يكتب للمهدي بان يدعو له فدعا له فرزق ولدا كان هو الشيخ الصدوق وأيضا أن الشيخ الصدوق عاش في بداية الغيبة الكبرى وهو ما يولد حاجة لإثبات وجود المهدي بعد موت السفراء وانتهاء ما يسمى الغيبة الصغرى ومنها أن الشيخ الصدوق من ناحية فكرية يتقبل غرائب الأخبار فهو من ألف كتاب معاني الأخبار وهو كتاب مصنف ضمن كتب الغرائب ومنها ولعله الأهم ان الشيخ الصدوق متهم بأنه يقتطع من الأحاديث ما يخالف عقيدته ونذكر مثالا حيث ان السيد الخوئي دافع عن الشيخ الصدوق بعد ان ذكر( 11319 ) - محمد بن علي بن الحسين بن موسى :....... الاول : أن حديث الحقوق رواه الحسن بن علي بن شعبة في تحف العقول ،ورواه السيد علي بن طاووس في فلاح السائل باسناده إلى كتاب الرسائل عن محمد بن يعقوب الكليني ، باسناده إلى مولانا زين العابدين عليه السلام ، أنه قال :فأما حقوق الصلاة فأن تعلم أنها وفادة ، وساق مثل ما رواه في تحف العقول ، ولكن الشيخ الصدوق قدس سره روى هذا الحديث على نحو الاختصار ، ولم يذكر جملة ما ذكر في الكتابين المزبورين .
الموضع الثاني : أن صاحب البحار ذكر حديثا عن الشيخ الصدوق في كتاب التوحيد عن الدقاق ، عن الكليني ، باسناده عن أبي بصير ، عن الصادق عليه السلام ، فنقل المحدث النوري قدس سره عن المحقق الكاظمي الشيخ أسد الله في كشف القناع ، أنه قال : الخبر مأخوذ من الكافي وفيه تغييرات عجيبة ،تورث سوء الظن بالصدوق قدس سره ، وأنه إنما فعل ذلك ليوافق مذهب أهل العدل ، ونقل عن المحقق المزبور أنه قال قبل ذلك : وبالجملة فأمر الصدوق مضطرب جدا. وقد نقل المحدث المزبور هذا الكلام ، استشهادا لما ذكره من أن الصدوق ربما يختصر الخبر الطويل ، ويسقط منه ما أدى نظره إلى إسقاطه . الموضع الثالث : أن زيارة الجامعة المعروفة رواها الشيخ الكفعمي في البلد الامين ، ورواها الشيخ الصدوق في الفقيه ، وقد أسقط جملا منها لا توافق لمعتقده فيهم عليهم السلام
الموضع الرابع : أن الصدوق روى في كتاب التوحيد ، عن أحمد بن الحسن القطان ، عن أحمد بن يحيى ، عن بكر بن عبدالله بن حبيب ، قال : حدثنا أحمد ابن يعقوب بن مطر ، قال : حدثنا محمد بن الحسن ( الحسين ) بن عبدالعزيز الاحدث الجندي سابوري ، قال : وجدت في كتاب أبي بخطه ، حدثنا طلحة بن يزيد ، عن عبدالله بن عبيد ، عن أبي معمر السعداني ، أن رجلا أتى أمير المؤمنين عليه السلام . . وساق خبرا طويلا ، وهذا الخبر رواه الشيخ أحمد بن أبي طالب الطبرسي في الاحتجاج عنه عليه السلام بزيادات كثيرة ، أسقطه الصدوق قدس سره في التوحيد..انتهى
ومثله بعض ماروي عن المهدي ففي عيون اخبار الرضا يذكر الشيخ الصدوق خبرا عن الامام الرضا بانه قال بعد نهاية قصيدة دعبل الخزاعي خروج امام لامحالة خارج قال الامام من بعدي ابني محمد ومن بعده ابنه علي ومن بعده ابنه الحسن ومن بعده ابنه محمد في حين انها ذكرت في مصادر اخرى ولم يتطرق فيها الرضا الى اسم المهدي فمثلا قال الكشي في ترجمة دعب الخزاعي ( 365 ) دعبل بن علي الخزاعي الشاعر :" قال أبوعمرو : بلغني أن دعبل بن علي ، وفد على أبي الحسن الرضا عليه........ قال : فلما فرغ من إنشادها قام أبوالحسن عليه السلام ودخل منزله وبعث إليه بخرقة خز فيها ستمائة دينار ، وقال للجارية : قولي له : يقول لك مولاي :
إستعن بهذه على سفرك واعذرنا ، فقال لها دعبل : لا والله ماهذا أردت ، ولا له
ولم يذكر ذكر الائمة من بعده الى المهدي .
وهذه الروايات جمعها صاحب البحار فمنها ثمانية عشر رواية عن كمال الدين للشيخ الصدوق ثلاث فقط تحكي عن الإمام العسكر والباقي ساقطة عن الحجية باعتبار انها كلها عن عوام الناس وكلها ضعيفة السند وأيضا ثمان روايات عن غيبة الطوسي ولا يختلف حالها عن سابقاتها وفيها رواية واحدة تحكي عن الإمام العسكري والباقي من مصادر متفرقة . فكيف يمكن ان نتصور التواتر والحجية في مجموعة من أخبار العامة لا نجد فيها مصدرا موثوقا . ولو جاز لنا أن نأخذ بهذه الروايات التي روي معظمها عن العامة لجاز لنا أن نأخذ بالروايات التي استدل بها الواقفية على مهدوية الكاظم باعتبار أنها رويت عن جعفر الصادق ولجاز لكل ملة ان تؤسس التواتر بناءا على تخريجات عامتها وضعاف الحديث عندها وستكون كل ملة لديها حجية تامة.
تتمه البحث على الرابط ادناه
http://mahdimuntadar.blogspot.com/2014/04/blog-post_12.html
مواضيع ومقالات مشابهة